نبذة عن مسلسل الندم
مسلسل الندم مسلسل سوري مكون من 30 حلقة، تأليف حسن سامي يوسف، إخراج الليث حجو، بطولة محمود نصر، دانا مارديني، سلوم حداد، أحمد الأحمد، وباسم ياخور.
يدور مسلسل الندم بين عامي 2003م و2016م حول عروة الغول، الكاتب المعروف الذي يقرر الكتابة عن قصته مع أخيه الأكبر سهيل، حيث كان يفرق بينهما الأب في المعاملة فيفضل عروة على سهيل، فيربط عروة بين التربية وبين الوضع في سوريا وما تعانيه من ويلات الحرب، فكيف أثرت التربية على كل مناحي حياة عروة؟ وكيف ستنتهي علاقته مع أخيه سهيل؟
(اقرأ: كيف تكتب لوج لاين؟ شخصية وحدث وسؤالين)
لتجربة أفضل:
مسلسل الندم.. البطل فاعل في الحاضر
يبدأ مسلسل الندم في عام 2016م أثناء الحرب في سوريا بأن يقرر عروة الكتابة عن قصته مع أخيه سهيل في الماضي، ويمضي مسلسل الندم في مزيج بين الماضي والحاضر، بين ما يكتبه البطل وما يعيشه في الوقت الحالي، بين ما حدث في الماضي وما أدى إليه في الوضع الحالي.
وتلك كانت مناورة جيدة استخدمها كاتب مسلسل الندم نظراً لأن عروة في قصة أخيه سهيل لم يكن فاعلاً، والدراما تقتضي دائماً أن يكون البطل هو المتسبب الرئيسي في الأحداث، حتى وإن كان البطل شخص مفعول به، ينبغي أن يساهم ولو مساهمة بسيطة في الأحداث التي يتعرض لها.
(اقرأ: تحليل سيناريو دم الغزال.. حنان المقهورة فاعلة)
وبذلك يكون البطل بقراره أن يكتب، وعلاقته مع رشا، وما يستعرضه لنا في الحاضر من مآسٍ متعلقة بالحرب وما تعانيه سوريا من انهيار على كل الأصعدة، يكون بطل مسلسل الندم هو الفاعل وليس مجرد شاهد على تفضيل الأب له على أخيه في الماضي.
مسلسل الندم.. قصة سهيل وأبو عبده
أبو عبده الغول، والد عروة وسهيل، تاجر لحوم شديد الثراء، بدأ من الصفر وأصبح مليونيراً، ورغم الكرم الشديد الذي يظهره تجاه أسرته وتجاه عامة الناس، إلا أنه قادر على التلاعب، وخاصة مع ابنه سهيل.
فقد امتلأ سهيل غيرة ورفضاً لتفضيل الأب لعروة، ومعاملته له بقسوة، خاصة وأن سهيل أكبر من عروة، وسهيل يعمل مع الأب في تجارته منذ الصغر، في حين أن عروة مدلل طوال حياته، ورغم ذلك عروة الآن هو ما يحظى بالاهتمام والمحبة الأكبر، وخاصة بعد أن أصبح كاتباً معروفاً.
ولما استشعر أبو عبده الثورة في تصرفات سهيل مكر له مكراً، إذ لاحظ أنه يرمق مفاتيح خزانة الأموال متفكراً في أمر ما، وكان ذلك بعد أن عنفه أبو عبده لفظياً في المصنع لأنه لم ينتبه جيداً لأمر يخص العمل.
قرر أبو عبده أن يوهمه بأن مفتاح الخزانة في الدرج، في حين خبئه هو في مكان آخر، وذهب بعدها لغرفة سهيل وانهال عليه لطماً ولكماً، حتى يدفعه دفعاً نحو محاولة السرقة، ويجيء ليضبطه متلبساً ويقول له إنه كان متأكداً من فشله في الامتحان!!
مسلسل الندم.. قابيل وهابيل قصة البشرية
ورغم كل هذا الظلم الذي تعرض له سهيل، إلا أنه لم يستمع لوسوسة الشيطان بأن يقتل أخيه عروة، لم يرد أن يكرر قصة قابيل وهابيل، وتلك كانت إشارة من كاتب مسلسل الندم، ومرد إلى أن قصة الإنسانية هي نفسها تتكرر وتتكرر على مر الزمان، قابيل وهابيل، ومن قبلهما قصة الإنسان والشيطان، حيث كان يرى الأخير أنه أفضل من الأول فمكر له وأوقعه في شرك معصية الإله.
مسلسل الندم.. قلة حيلة الأم وتصريح أبو عبده بالسفر
ولم يكتف أبو عبده بأن نغص على سهيل صفو ثورته ومكر له فأوقعه في الشعور بالذنب، بل إن الأب كان هو من سهل إجراءات سفر سهيل، ومن الملفت أن تعمد كاتب مسلسل الندم أن تكون وسيلة سهيل للسفر هي جواز السفر، أمر بديهي، ولكن حين تخبئه الأم، ويقوم الأب باستخراج جواز جديد لهي دلالة على أن الأب هو من يجيز سفر سهيل ويسمح به.
وجدير بالذكر أن قيام الأم بإخفاء جواز سفر سهيل، دون أن تخبر أحداً أو تصر على منعه بأي طريقة أخرى، لهو تصرف يعكس شخصيتها، شخصية مهمة جداً في حياتهم وفي نفس الوقت تصرفاتها غير ذي تأثير، مثلما كانت تعدل من وضعية الوسادة تحت رأس عبده أثناء نومه كلما مرت على غرفته، كان تصرفاً غريباً منها وغير مبرر، ولكن الكاتب كان يريد من خلاله التعبير عن شخصيتها.
ورغم أن تصرف الأم والأب تجاه سفر سهيل يوحي بأنهما يتهاونان معه لأنهما يحبانه ويريدان له الراحة، إلا أنه في نفس الوقت يثير التساؤلات حول مشاعرهما نحوه، هل كانا يحبانه بما فيه الكفاية؟ لو كان عروة الذي يريد أن يرحل، هل كانا سيتهاونان بهذا الشكل؟
مسلسل الندم.. هراء محبة الآباء للأبناء
دعنا من الهراء المعتاد أنه ما من أب أو أم يكرهان ابنائهما، يجوز أنهما لا يكرهان، ولكنهما أحياناً لا يحبان بالقدر الكافي، لا يتقبلان الأبناء جميعاً على اختلافهم، أحياناً يفضلان الأوسم والأذكى والأكثر حيوية، ويتوقعان من الجميع أن يكونوا مثله.
وإن كان الأب والأم حقاً لا يكرهان ابنائهما قط، فإنهما أيضاً يتوقعان منهم أن يدركوا تلك المحبة دون أن يظهراها لهم، كيف لي أن أدرك محبة شخص لا يبتسم في وجهي، ولا يمدحني، ولا يشكرني، ولا يثني على مميزاتي، ولا يتقبل عيوبي، ويغفر لي زلاتي؟
مسلسل الندم.. الحدث الذي قسم ظهور الجميع
ومن واقعية مسلسل الندم أن تنقلب موازينه عند منتصف أحداثه باعتقال هشام وموت الأم، ولا تنقلب الموازين بسبب حدث متعلق بالبطل، أو متصل به بشكل مباشر.
يعتقل هشام أحد أنبل شخصيات مسلسل الندم، إن لم يكن أنبلهم، الذي يؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة، يبر بأهله، ويعتني بإخوته، وما يجعل الأمر قاسياً إلى حد الجنون هو عدم وجود تهمة، اختفاء قسري، بلا مبرر، ولا تحقيق، ولا قضاء، ومن دون أن يعرف أحد من أهله حتى إن كان هشام ما يزال على قيد الحياة أم لا.
ومن هنا يتنحى أبو عبده الغول جانباً ويتولى ولده الأكبر زمام الأمور، ومن قسوة الحياة ألا يرى سهيل انهيار الأب وسقوطه، بل يعود في نهاية المسلسل فيجد الأب والأم قد توفيا.
مسلسل الندم.. النساء في حياة البطل
إن الخط المتعلق بالبطل في الماضي وفي الحاضر كلاهما خط نسائي، الأول علاقته بهناء والثاني علاقته برشا، كان التشابه بين هناء ورشا واضحاً، حتى أن في بعض المشاهد كان يخيل للبطل أن هناء هي رشا ويتحدث إليها.
بينما كانت علاقة عروة مع رزان غير ذي أهمية، لدرجة أننا لم نشاهد أية مشاهد في الماضي أثناء زواجه منها، ورغم ذلك كانت رزان وزوجها يتعاملان كما لو كانت أهم شيء في حياة عروة.
وعلى أن بطل مسلسل الندم كان يبدو متحضراً ومثقفاً، إلا أنه كان وغداً بطريقة ما، لقد تأثر هو كذلك بسوء التربية والتدليل، فلم يستطع أن يسيطر على رغبته الجنسية أثناء مرض زوجته، وحين عرفت بالأمر ظهر أنه غير مبال إلى درجة ما، ولكنه صعق حين توفت، وغرق في الشعور بالندم.
وقد كان موت هناء بسبب مرض عضوي، أي غير متعلق بالتربية، ولكن بدا وكأن الحياة -متأثرة بما يزرع الناس من شرور- ترفض أن تعيش فيها امرأة حيوية محبة للحياة مثل هناء، وكذلك مثل رشا.
وجدير بالذكر أن البطل فقد هناء لما ضاجع غيرها، وعليه قرر ألا يدفع المال أبداً مقابل جسد امرأة، بل بات يلفظ الجنس أحياناً، حتى أنه حسد الرجل الذي جاء للصيدلية لشراء مقوي جنسي، حسده على الرغبة في الحياة، وقد رفض البطل كذلك شهوته تجاه رشا أول الأمر، ولما قرر أن يتزوجها تدخل القدر وأرسلها إلى الإنعاش.
من قسوة الحياة إن الأنثيين تأذيا، رغم ندم البطل على فقد هناء ومحاولته التعويض مع رشا، يبدو وأن الخراب بات مستعصياً على المواجهة، يسخر من محاولات التعويض أيما سخرية.
مسلسل الندم.. البطل عاجز في الماضي وفي الحاضر
وهنا يتضح أن بطل مسلسل الندم عاجز، عاجز إلى أقصى درجة، ولذلك كانت مشاهد مسلسل الندم في الحاضر -بالإضافة إلى أنها بالأبيض والأسود- كانت ملونة بلون أزرق، والأزرق في السينما يعبر دوماً عن العجز، مثلما كان في فيلم أسماء تأليف وإخراج عمرو سلامة، وكذلك في فيلم The Shawshank Redemption سيناريو وإخراج Frank Darabont.
وقد ظننا أول الأمر أن قرار عروة بالكتابة عن نفسه يجعل منه فاعلاً ومحركاً، ولكن اتضح مع نهاية مسلسل الندم ألا حيلة له بأي حال من الأحوال، فهو لم يستطع أن يحمي رشا، وكذلك أخته ندى، ولذلك ينتهي مسلسل الندم قبل أن ينتهي عروة من كتابة قصته، ربما يريد الكاتب أن يقول إن الكتابة أيضاً لن تحل شيء، لن تجعل من عروة فاعل أو مؤثر.
مسلسل الندم.. كيف يتحيون الإنسان؟
يتحيون الإنسان حين ينشغل فقط بالمأكل والملبس والمشرب، حين لا يخضع للتوجيه والنصح والتقويم.
لقد كان أبو عبده الغول شديد الاهتمام برعاية ابناءه، ولكنه لم يربيهم، لم نراه في أي مشهد يتقرب من أحدهم فيتواصل معه وينصحه ويعلمه ما هو صواب وما هو خطأ، بل إن في أحد المشاهد بعد رحيل سهيل كانت الأسرة على طاولة الطعام حزينة عليه، فأفاق أبو عبده من شروده وطلب من عروة وندى أن يذهبا لاختيار أفضل سيارة ليشتريها لهما.
وفي كثير من المواقف حين كان يرغب أبو عبده في التعبير عن أي شعور، الامتنان، المحبة، المودة، كان يغدق الأموال، وتلك ليست تربية بأي حال من الأحوال، إنها رعاية، والإنسان لا يستقيم بالرعاية دون التربية، بل يتحيون.