الخصم في الدراما ليس مجرد شخص شرير يقف في طريق البطل، أحياناً ما يسمى الخصم بـ ظل البطل، وذلك لا يعني أنه النسخة المظلمة من البطل، بل هو الانعكاس المظلم له، فكلمة النسخة توحي بتشابه يقترب من التطابق، أما الانعكاس فهي نسخة أخرى مختلفة عن البطل، ولكن بينهما ترابط في أمر ما، استخدمه كل منهما استخدام مختلف، لذا نتج عنهما نسختين مختلفتين نابعتين من نفس المبدأ. وفي هذا المقال نتناول طبيعة العلاقة بين البطل والخصم وتأثيرها الدرامي في القصة.
البطل والخصم وما بينهما من ترابط
كثيراً ما نجد في الأفلام -وخاصة في مشاهد المواجهة بين البطل والظل- جملاً حوارية تشير إلى هذا التشابه بينهما، أجملها في فيلم Se7en حين قام جون دوي بتسليم نفسه فنظر إلى سوميرسيت قائلاً: "أنا أعرفك"، كما أن سوميرسيت أظهر في مشاهد سابقة تفهمه لما يفعل جون دوي من جرائم، معترضاً على سلوك الناس في هذه المدينة، على عكس شخصية ديفيد ميلز الذي كان يراه مجرد مجنون.
وفي فيلم ليون المحترف لم يكن ظل البطل شرطياً لمجرد أن البطل قاتل مأجور، بل لأن الظل يهوى القتل، فبرز الفارق بينهما، وهو أن الظل يقتل بلا رحمة ولا ضوابط في حين أن للبطل قاعدة أساسية: No women no kids، وقد كان ذلك محور الصراع بينهما، حيث يرغب ليون في قتله انتقاماً لأسرة ماتيلدا الذين قتلهم ستانسفيلد، في حين كانت مشكلته مع الأب فقط، والظل يرغب في قتل ليون لأنه يدافع ويحمي الطفلة الوحيدة الناجية من الأسرة.
(أقرأ: ليون المحترف.. الاحترافية موضوعاً للقصة)
وفي فيلم Django Unchained كان ظل البطل ليس مالك زوجته، بل الزنجي العجوز ستيفن! الظل عبد زنجي مثل البطل وليس أبيضاً حراً، وكان رجلاً بلغ من كره نفسه وكره جنسه حداً جعله أقسى عليهم من البيض الأحرار، ولذلك في آخر مواجهة بينهما حين أمر جانجو سمار البشرة أن ينصرفوا لأنه لا يريد إيذائهم مثلما سيفعل مع البيض، استوقف ستيفن الذي هم بالانصراف قائلاً له: "ليس أنت يا ستيفن.. أنت في المكان الصحيح تماماً".
البطل والخصم يتواجهان
من المثير درامياً أن يحوي سيناريو الفيلم مشهداً يتواجه فيه البطل والخصم وهنا برع المؤلفين في اختلاق هذه المواجهات.
في فيلم عمارة يعقوبيان كان لكل شخصية خط درامي خاص بها، فكانت دولت هي الخصم بالنسبة لزكي البطل، وقد كثرت مشاهد المواجهات بينهما، بينما المثير أنه كان لبطل الفيلم خصماً آخر في قصة أخرى موازية، وهو عزام، فقد كان زكي باشا حقيقي أقدم سكان العمارة، فيما كان عزام دخيلاً على هذه الطبقة، فقد تحول بفضل تجارة المخدرات من ملمع أحذية إلى باشا يسكن في نفس العمارة، وقد كانت قصة كل منهما متعلقة بالنساء، ولكن مع اختلاف تعامل كل منهما مع الأمر، فعزام اتخذ من الدين إطاراً ومن الثراء وسيلة للمتعة الجنسية، فيما كان زكي يحترم الأنثى، حتى وإن كان يعرف الكثيرات لأجل المتعة فهذا مشروط بموافقتها. وقد أصاب سيناريو الفيلم -الذي كتبه العملاق الراحل وحيد حامد عن رواية علاء الأسواني- في الإشارة إلى طباع شخصية زكي المشابهة لطباع الأجانب في معاملة النساء، فالأجانب غير مستساغ عندهم بالمرة أن تقع علاقة بين رجل وامرأة دون رضاها، وهذا أيضاً ما جعل زكي يحظى بحب بثينة التي عانت من التحرش الجنسي في عملها، وقد ذكرت له صراحة في أحد المشاهد الحميمية بينهما أنها أحبته لأنه احترمها، وفي مشهد سابق حين أبدى إعجابه بعملها فشكَّت في نواياه اقترب منها مستدركاً: "بثينة أوعي تفهميني غلط.. ربنا خلق الجمال عشان الناس تشوفه وتحبه وتحترمه.. وأنتِ جميلة".
(أقرأ: عمارة يعقوبيان.. سيناريو كتبه مهندس)
ومن الملاحظ في فيلم عمارة يعقوبيان أن مشاهد زكي الدسوقي وعزام كانت تتوالى وتتعاقب بانتظام وتبادل، فما إن يظهر عزام حتى يتبعه مشهد أو أكثر لزكي والعكس. وقد أبدى زكي اعتراضه على كلمة (باشا) التي أطلقها خادمه على عزام، وفي مشهد مثير كان زكي يتابع مع بثينة في تهكم استجواب عزام في مجلس الشعب، فكان ذلك بمثابة مواجهة بينهما، ومن الملفت أن عزام كان يتحدث حينها عما يعرض في التلفزيون من سفور وعري!
وفي فيلم Inception تأليف وإخراج كريستوفر نولان، نلاحظ أن سايتو قد اشترى شركة الطيران بالكامل، وكانت المضيفة تعمل لصالح كوبر، لذا كان من الممكن أن تضع لروبرت فيشر المنوم بنفسها، ولكن السيناريست آثر أن يحصل البطل على جواز سفر روبرت الخصم، ثم يعطيه له ويتبادلان حواراً حول أبيه المتوفى الذي هو محور الصراع بينهما.
ويجدر الإشارة هنا أن الرابط بين البطل وخصمه هو الشعور بالذنب، وهو تيمة الفيلم، فقد كان كوبر نادماً معذباً على الفكرة التي أودت بحياة زوجته، وروبرت فيشر كان يشعر بالذنب لأنه خيب آمال والده، وكانت رحلة الفيلم تتلخص في تطهر كل منهما من هذا الشعور.
وفي فيلم ليون المحترف كذلك نلاحظ أن ليون حين ذهب للانتقام من قاتلي أسرة ماتيلدا بدأ بقتل أحد رجال ستانسفيلد، ولم يبدأ بقتل ستانسفيلد هو نفسه، هذا لأن السيناريست أراد لمواجهة البطل والخصم أن تؤخر قليلاً إلى مشهد يتواجهان فيها، فيكون أقوى وأكثر تأثيراً.
الخصم كمرآة للبطل
وطبيعة العلاقة بين البطل والخصم تبرز حقيقة البطل وقوته، في فيلم غاندي عن سيرة غاندي قائد مقاومة اللاعنف السلمية ضد الاحتلال البريطاني للهند، نجد أن غاندي قد عرف الخصم الحقيقي مبكراً جداً، فلم يكن الخصم هو الاستعمار البريطاني بل كان السيد جينا المتحدث باسم المسلمين في المقاومة، حيث إنه في نهاية القصة سيرحل الاستعمار، ولكن سيكتشف غاندي أن الخطر الأكبر يكمن في العنصرية بين الهنود أنفسهم، فتقع اشتباكات غاية في الدموية بين المسلمين والهندوس، ومن هنا نجد أن أول ما سدده غاندي من ضربات في بداية الفيلم، كانت ضربة في وجه أعضاء المقاومة أنفسهم، حين جاء دوره لأن يخطب في الناس عقب خطاب السيد جينا، فقال إن المقاومة الحقيقية تأتي حين نقف على أقدامنا في الحقول وسط الكادحين يومياً تحت حرارة الشمس، وقد أثار ذلك غضب وصدمة السيد جينا.
(أقرأ: غاندي مقاوم العنصرية.. كيف أمكن اختصار حياته في فيلم واحد؟)
وأفضل الأبطال هم من يستطيعون تغيير الخصم، مثلما حدث في فيلم أسماء من تأليف وإخراج عمرو سلامة، كانت أسماء سيدة مصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة، وتحتاج إلى عملية في المرارة، إلا أن جميع الأطباء يرفضون خوفاً منها! وكان الخصم هو محسن السيسي، إعلامي يتخذ من عرض القضايا الساخنة وسيلة لجلب المشاهدات والمكاسب المادية، وقد جاهد محسن لجعل أسماء تصرح في البرنامج بكيفية إصابتها بالمرض -المعروف عنه الانتقال بطرق غير سليمة- لتثبت للناس أحقيتها في العلاج إذا ما انتقل لها بطريقة أخرى، إلا أنها كانت ترفض حتى لا تجعل ممن أصيبوا بطرق غير سليمة غير مستحقين للعلاج. وفي نهاية الفيلم يقرر محسن أن يتبرع لها شخصياً بمبلغ مالي لتجري جراحة المرارة خارج مصر، فعلى محاولاته الكثيرة لإثنائها عما تريد، والسخرية من مبدئها، إلا أنها قادته للحظة عجز فيها عن إنكار إعجابه بها واحترامه الشديد لها. وفي سياق متصل كان غاندي في نهاية الفيلم يشعر بالفشل لأنه لم يستطيع تغيير خصمه، رغم أنه استطاع إيقاف الجنون وكاد يودي بحياته في سبيل ذلك.
ومن أقوى الأفلام التي تتناول العلاقة بين بطلها وظله درامياً بشكل خلاق هو فيلم الرسالة قصة الإسلام، بطولة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يظهر البطل مطلقاً خلال أحداث الفيلم، ولكن تأثيره هو ما يتجلى، ويبزر هذا التأثير تحديداً في نهاية القصة حين جاءه اخصم أبو سفيان وأعلن إسلامه.
تم.
أكتب لنا رأيك في التعليقات، وشارك المقال ليصل للمزيد من الأشخاص.