حسناء النهار.. على قدر الحسن يأتي التعقيد

حسناء النهار Belle de jour، فيلم فرنسي أنتج عام 1967م، للمخرج لويس بونويل. يدور الفيلم حول زوجة تعمل كعاهرة لتحسن من حياتها الزوجية! وتتناول الأحداث حالة نفسية غريبة للبطلة، المتأثرة بتجربة قاسية من طفولتها، ويناقش الفيلم كيف تدفع العقد النفسية الإنسان إلى التصرف بشكل معقد مستعصي على الفهم.

حسناء النهار


أزمة حسناء النهار مع زوجها

يبدأ فيلم حسناء النهار بأن تعاني سفرين بروداً عاطفي تجاه، زوجها لدرجة أنها ترفض مشاركته الفراش، ونرى تصورات تعكس هواجسها النفسية، حيث يضيق الزوج ببرودها ويقرر معاقبتها وجلدها، قبل أن يسمح للعاملين باغتصابها. وهذا الخوف المستعر بداخلها يتصادم مع جمودها الخارجي، فتعبيرات وجهها ثابتة جامدة، لا تكاد تفصح عن تفاعل داخلي بهذا الحجم.


حسناء النهار وجرح الطفولة

وسرعان ما يوضح لنا الفيلم منبع الخوف، فنرى مشاهد لسفرين في طفولتها تتعرض للتحرش الجنسي، كما نراها ترفض تأدية طقس ديني في الكنيسة، ما يبرر خوفها المرضي من العقاب وتصوره بهذه البشاعة. ومن الملفت في فيلم حسناء النهار أن المخرج لويس بونويل في هذه المشاهد الاسترجاعية قد كسر القاعدة التي تقضي بوجود مثير من الحاضر يستدعي هذه المشاهد من الماضي، فقد ظهرت المشاهد فجأة دون مبرر درامي واضح، ربما للتعبير عن حالة الفوضى بداخل شخصية سفرين، رغم كل الانضباط والثبات المفرط الخارجي لديها.


حسناء النهار وميلها للعنف

تحاول سفرين حل مشكلتها من خلال عملها في بيت للدعارة، تحت اسم مستعار هو اسم الفيلم: حسناء النهار، فيما يعد أمراً غريباً للمشاهد؛ فكيف تخاف من العقاب بهذا الشكل المرضي وتقبل على فعل كهذا؟ إلا أنه سرعان ما يتضح السبب فندرك كيف أن العنف والإكراه هو بشكل ما مريح لها، فيقول أول زبون تتعامل معه حسناء النهار إنها تحب العنف، حين تقاوم وتقاوم حتى يضاجعها عنوة.

ولعل اسم حسناء النهار كان إسقاطاً من مؤلف الفيلم جان كلود كاريير والمخرج لويس بونويل إلى أن سفرين مجرد طفلة جميلة وبريئة تعرضت لتجربة قاسية، فدائماً ما يقترن وجود الأطفال في السينما بالنهار، ولذلك سميت حسناء النهار.


تحسن علاقة حسناء النهار مع زوجها.. ولكن!

ويؤازرها العمل فترى حسناء النهار في الزبائن من يشبهها، حتى ولو بشكل غريب ومتطرف، فأحدهم يأتي لهذا البيت لا ليستمتع بمضاجعة إحدى الفتيات، بل لتمارس ضده سلوكيات شديدة العنف والمهانة. ومن غير المتوقع أن ينعكس العمل بالإيجاب على حياة سفرين الزوجية، فتستطيع لأول مرة مشاركة زوجها الفراش، وكأن عقدها النفسية بلغت الحد الذي لا تستطيع أن تكون معه طبيعية في الحياة دون أن تتعرض للانتهاك على مستوى موازٍ.

وتتطور الأحداث فتقع حسناء النهار في حب أحد الزبائن، فيكون وزوجها نقيضين حادين لبعضهما في كل شيء، في المظهر وفي المستوى المادي والتعامل، ويذكر مارسيل -العشيق- ذلك صراحةً حين يرى صورة زوجها فيقول إنه أفضل منه في كل شيء. 

وعلى التوازي يعرف صديق مشترك بينها وبين الزوج بأمر عملها، فتصبح مهددة بافتضاح حقيقتها أمام الزوج، وتعاود تصوراتها للعقاب الظهور، فينقل لنا المخرج ما يعتمل بداخلها، فنراها تعاقب على يد الزوج وصديقه برميها بغوط الخنازير. 


حسناء النهار ونهاية سعيدة وغريبة!

تضطر حسناء النهاء إلى ترك العمل، ولكن تبيعات ما حدث تطاردها، فيحاول مارسيل قتل زوجها، ويسبب له عاهة وفقدان نطق، ويقرر الصديق أن يخبر زوجها. ولكن الغريب أن سفرين تتخيل ولأول مرة شيئاً جيداً، فمن الواضح أن الخبر لم يزد زوجها سوى تدهوراً، إلا أنها تصورته يفيق ويستطيع أن يمشي ويتكلم، بل وتتحسن علاقتهما! ربما عقد حسناء النهار النفسية وأفعالها دفعتها إلى عقاب الشخص الوحيد في حياتها الذي عاملها بلطف، ولذا استطاعت أن تتصور لأول مرة عدم تعذيبها، فما إن أضحت مُعاقبة في الحياة ومنبوذة -كما تستحق في داخلها- حتى صارت في خيالها طبيعية معفو عنها! 

(أقرأ أيضاً: تحليل شخصية آرثر فليك.. سر مشهد الأسانسير)


تم.

أكتب لنا رأيك في التعليقات، وشارك المقال ليصل للمزيد من الأشخاص.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال