تراب الماس.. كيف تكون بطل؟

تراب الماس 2018، إخراج مروان حامد، تأليف أحمد مراد عن رواية تراب الماس الصادرة عن دار الشروق 2010م. يدور تراب الماس حول طه الزهار الذي يُقتَل والده ويكتشف أنه قاتل متسلسل مسؤول عن اغتيال عدد من الفاسدين السياسيين، وفي ظل غياب القانون يهدد حق الوالد بالضياع، فيعتمد طه على نفسه للثأر لوالده باستخدام نفس أداة القتل وهي سم تراب الماس، إن كلاً من طه ووالده قاتل، ولكن لماذا طه هو البطل؟

تراب الماس


لتجربة أفضل:



لماذا يبدأ تراب الماس بمشهد قتل الوالد؟

يبدأ سيناريو تراب الماس بمشهد دخول طه (آسر ياسين) المنزل مساءً حيث يجد أبيه مقتولاً. إن وجود هذا المشهد قبل المشاهد الاسترجاعية التي تعود بنا للخمسينيات، ينبه الـمُشاهد إلى أن القصة تدور حول طه في الحاضر، فلو بدأ أحمد مراد بالاسترجاع لاعتقد المُشاهِد لعدة دقائق أن هؤلاء الشخصيات هم الأبطال. وقد بدأت رواية تراب الماس بفصل في الخمسينيات بالفعل ثم جاء الفصل الثاني في الحاضر لنعرف أن طه هو البطل، ولا يجدر بنا أن نعتبر ذلك عيباً في الرواية وميزة في السيناريو، حيث إن إيقاع الرواية يختلف تماماً عن إيقاع السينما. كما أنه قد اختير أن يتم البدء بمقتل الأب تحديداً، رغم أننا بعد العودة سنرى بعض المشاهد قبل مقتل الأب ثم يتكرر المشهد ثانية، هذا يشير إلى إدراك الكاتب لأهمية التركيز على الخط الرئيسي، ألا وهو الثأر للأب، فمن خلال مشهد واحد يعطيك السيناريو مقدمة منطقية شبه وافية، عن البطل وصراعه الذي سيكون البحث عن القاتل والثأر منه.

(كيف تكتب لوج لاين؟ لوج لاين تراب الماس)


بذور قصة حسين وتراب الماس

وتشير المشاهد الاسترجاعية إلى بذور الأزمة، حيث قيام ثورة 23 يوليو، وتولي نجيب ثم عبد الناصر، وموقف اليهود بعد الثورة. قبل أن نعود إلى حسين الزهار (أحمد كمال) في الحاضر، فنجده يجلس على كرسي متحرك، يراقب الشارع محتمياً بظلام غرفته، قبل أن يضيء طه المصباح بغتةً فينزعج حسين. وسنكتشف فيما بعد أن إضاءة طه للمصباح كانت سبباً في مقتل الأب، ما يشير إلى مهارة الكاتب في تطبيق تقنية الفعل ورد الفعل، فلابد وأن يكون البطل سبباً فيما يحدث له، حتى وإن كان من خلال فعل بسيط جداً، ما يُشعِر المُشاهِد بتماسك الحبكة وقوة الصراع. وما يجعل طه من ناحية أخرى يشعر بالذنب تجاه أبيه، خاصة وأنه كان قريباً منه جداً، وهذا يتضح من المشاهد المتوالية في بداية الفيلم، فنراه يأتيه بالطعام ويعطيه الدواء ويدلك له رجليه وحتى يحممه. 


أحمد مراد يضع طه في أزمة مفتعلة

ونرى كيف يتصرف طه مع محبوبته (منة شلبي)، وكذلك مع السيرفيس (محمد ممدوح)، حيث يصر على تحرير محضر في حين يحذره ضابط الشرطة من عدم جدواه، فيظهر كيف أن طه شخص مسالم وساذج، ومن ناحية أخرى حين ينصح ضابط الشرطة بعدم جدوى اللجوء للقانون، لهي إشارة إلى المدى المفجع الذي بلغته الفوضى استشراءً. وتكون أزمة طه مع السيرفيس مبرر مؤقت تسند إليه الجريمة، حيث إن الأحداث ينبغي ألا تحدث دون مسبب، وإن كان السيناريو يحتاج ألا يفصح عن الأسباب الآن، فينبغي أن يضع أمام المشاهد أسباباً أخرى يستند إليها أو جزءً من الأسباب الحقيقية. ومن عبقرية سيناريو تراب الماس أن ابتكر أحمد مراد أزمة كهذه، ليطمئن المشاهد إلى منطقية الأحداث إلى حد ما، وفي نفس الوقت جاء بالمشهد الاسترجاعي قبله، والزيارة الغامضة لمحروس برجاس بعده، حتى يبقي المشاهد رغم اطمئنانه متشوقاً، وفي داخله يعرف أن المسألة أكبر بكثير جداً من مجرد شجار بسبب دواء ممنوع.


تراب الماس يعلن عن الخصوم

وعقب مشهد موت الأب مباشرة يظهر الخصم: وليد سلطان (ماجد الكدواني)، ويظهر تراخي الشرطة بقيادته في البحث عن القاتل رغم تظاهره بالاهتمام. ونستعيد ما رأيناه في المشاهد الاسترجاعية في بداية الفيلم فنرى شريف مراد في برنامجه يتحدث عن محمد نجيب ،الذي أراد أن تقام انتخابات برلمانية نزيهة لتتولى السلطة والتشريع. والبرلمان إنما هو عماد العدالة، وحلقة الوصل بين الشعب والمسؤولين، ما يشير إلى اتصال محروس برجاس (عزت العلايلي) بالقضية، وبذلك يضيف إلى ما عرفناه مسبقاً، فيربط بين الماضي والحاضر، ويمهد للكشف عن حقيقة والد طه وسبب مقابلته محروس برجاس. ولذلك كان مرض محروس برجاس هو المثير الذي دفع طه للبحث في غرفة أبيه لمعرفة أسراره، فمن قبل شاهد طه إعلان وفاة سليمان اللورد ولم يتحرك، وبقى عاجزاً عن العزف على الطبول؛ هوايته التي كانت تعبر عن حالته النفسية، وسنوضح ذلك أكثر فيما يلي.


اكتشاف سر تراب الماس وحكاية حسين الزهار

ومن المثير أن اكتشاف طه لسر تراب الماس كان من خلال المذكرات التي خبأها الأب في كتاب الخروج في النهار، الذي قرأ طه في مقدمته إنه حورس القادم للثأر لأبيه، وهنا يربط أحمد مراد قصة طه بأسطورة مصرية قديمة، فيخرج من الخاص إلى العام، ويصبغ مهمة طه في الثأر لأبيه بصبغة قومية. 

ويتضح معنى عبارة "تبيعات القرار" التي قالها حسين الزهار تعليقاً على قصة محمد نجيب في البداية، فقد تأثر حسين الزهار بكل ما حدث بعد الثورة وعزل نجيب؛ فقدَ حبيبته اليهودية بسبب حرب 1956م، حيث هاجرت لإسرائيل بلا عودة، وحارب حسين في 1967م، رغم أنه الذكر الوحيد لأبويه، ووالده متوفي أيضاً، ورغم رفض التحاقه الكلية الحربية، إلا أنه سعد بهذا التكليف لأجل بلاده، ولم يلق أي تقدير في المقابل. كما تأثر حسين بتيار الإسلاميين الذي تفشى في الثمانينيات، وضاعت عليه أمواله التي أنفق عمراً في جمعها. وأخيراً لم ينصفه القانون حين أصيب بشلل سفلي في مستشفى حكومي أثناء القيام بعملية جراحية. لذلك قرر الانتقام من المفسدين، باستخدام سم تراب الماس، وأهمهم كان محروس برجاس (ترزي القوانين) على حد وصفه، فلا يوجد أكثر خطورة ولا فساداً ممن يصبغ الفساد بصبغة شرعية.


أحمد مراد يعطي المشاهد استراحة قصيرة

تلقى طه هذه المعلومات، ثم عثر على قنينة تراب الماس، فلم يتمالك نفسه لحظتها وصرع. وأحس الكاتب بكبر حجم جرعة المعلومات التي تعرض لها طه والمشاهد في آن، فأراد أن يهدئهما معاً، لذلك جاء بمشهد سارة وطه في حفل قابل فيه شريف مراد لأول مرة، وهي آلية يستعملها الكتاب عادة بعد كل دفقة انفعالية، حتى يسمحوا للمشاهد أن يستوعب ويتهيأ للدفقة الجديدة. 


طه يتسلم تراب الماس ويحمل راية التطهير

ومع الدفقة الجديدة تنعطف الأحداث في اتجاه جديد، فيكتشف وليد سلطان مثلية هاني برجاس من خلال القبض على كريم، ويجد طه نفسه في مواجهة السيرفيس الذي يريد أن يفتك به. 

وهنا نشير إلى التحول المدهش الذي حدث لطه، فكيف ندفع بطلاً مسالماً مثله للقتل؟ لقد كان إيقاع الرواية مناسباً لأن يفكر ويخطط، ويدس المادة للسيرفيس في تركيبة دواء، ولكن في السيناريو الإيقاع أسرع والأحداث أكثر تكثيفاً، لذا اختار أحمد مراد أن يوضع البطل في موقف ضد السيرفيس، لا يجد فيه حلاً سوى قتله، وبذلك يتورط البطل بسرعة في الأمر، فيناسب إيقاع الفيلم. ومن ناحية أخرى فإن قدرة طه على التفكير والتصرف تحت وطأة هجوم السيرفيس، يلفت إلى أن طه شخص مداهم وذكي، بعكس طبيعته التي اعتقدنا في بداية الأحداث، وتلك وظيفة القصص أن تخرج من الشخصيات ما لا يتوقعوه وما لا يعرفوه عن أنفسهم، وقد أشار السيناريو لهذا الأمر على لسان وليد سلطان في مشهد لاحق، فقال إن كل إنسان قاتل بالفطرة. وأفصح أحمد مراد في كتابه القتل للمبتدئين عن التقنية المستخدمة في رسم شخصيات هذا الفيلم، وهي الاعتماد على نماذج من الحيوانات، وذكر أن شخصية طه كانت مثل الثعلب، الذي توحي هيئته بالضعف، في حين أنه أحد أكثر الكائنات مكراً. 

(اقرأ: البطل الأندردوج.. مراجعة رواية فيرتيجو لـ أحمد مراد)

وقد استعان طه بعبارة الأب "حلمتلك حلم" في مواجهة السيرفيس، للإشارة إلى أنه تسلم ميراث الأب وحمل رايته. وعلى التوازي كما ذكرنا اكتشف وليد سلطان مثلية هاني برجاس، وكان ذلك في منتصف الفيلم تقريباً الذي دائماً ما يقع فيه التحول في الأحداث نحو اتجاه جديد. وفي تراب الماس يحدث التحول للبطل والخصم على حد سواء، فيتحول وليد سلطان للصدام مع هاني برجاس، وكذلك يتحول طه من الاعتماد على القانون غير المجدية، إلى محاولة إقامة العدالة الذاتية، ومعها يستطيع أن يعزف على الطبول، ولكن من خلال لصق العصا بيديه، فهو لم يتعافى بشكل كامل، ما يشير إلى أنه ما يزال في الرحلة بقية، لأنه قتل مساعد الخصم الذي نفذ القتل، ولم يقتل بعد الخصم الذي أمر بالقتل.

(اقرأ: ملخص فن الشعر.. التحول في منتصف القصص)


تراب الماس والتشابه مع عمارة يعقوبيان

ويتطلع هاني برجاس لأن يحل محل أبيه في البرلمان، ويستعين بوليد سلطان ليُيسر له الأمر، فمثلما يحتاج وليد سلطان إلى سيرفيس، يحتاج هاني برجاس إلى سيرفيس آخر، أكبر وأشد نفوذاً، لولا أن طمع وليد سلطان في مقابل باهظ، بل وهدد هاني برجاس بأمر المثلية الجنسية.

ويجدر الإشارة هنا إلى أن العالم النفسي سيغموند فرويد ربط بين المثلية والعلاقة مع الوالدين، فرأى أن مثلية الذكور مرتبطة بقسوة الأب وإهماله، والعكس، ما يشير إلى طبيعة العلاقة بين محروس برجاس وابنه هاني، التي نتج عنها ذلك، فقد ترك له الأب الثراء والسلطة غير المحدودة، لكن لعنه بمرض كهذا. وما يتشابه مع شخصية حاتم رشيد في فيلم عمارة يعقوبيان، تأليف وحيد حامد وإخراج مروان حامد. 

ومن المثير أن حاتم كان رئيس تحرير لجريدة فرنسية وله زوجة أب فرنسية، وحين جلس يعاتب صورة أبيه وزوجته كان يستخدم الكلمات الفرنسية للتعبير عن احتداده وغضبه، وفي فيلم تراب الماس حين يعود هاني برجاس لمنزله، ويُقتل كريم في الحجز، نسمع في الخلفية أغنية فرنسية، كما أنه حين قُتل والد طه كان هاني في باريس. 

ومن الملفت أيضاً التشابه في الفيلمين بين الطريقة التي يستولي بها أعضاء مجلس الشعب على مقاعده، المجلس المعني بالتعبير عن الشعب ومطالبه، والقائم أساساً على تصويته، تشترى مقاعده من خلال اللجوء لشخص ذي سلطة ونفوذ، ودفع المقابل المادي له، دون أي وجود للشعب، في عمارة يعقوبيان لجأ عزام إلى كمال الفولي وكان وزيراً، وفي تراب الماس لجأ هاني برجاس إلى وليد سلطان. 

(اقرأ: عمارة يعقوبيان.. سيناريو كتبه مهندس)

وهنا نشير إلى أن طه الزهار وهاني برجاس نظيران، الأخير تسلم الفساد من الأب وبسببه أصبح شاذاً جنسياً، والأول تسلم التطهير وتسلح بالعدالة، ورغم ذلك فإن هاني برجاس ليس هو الخصم بالنسبة لطه، بل وليد سلطان، الذي ييسر الفساد ويديره، الذي يربط بين العالم العلوي والعالم السفلي، الذي يعاون الظالم على المظلوم، أظلم منه وأشد خطراً، كذلك كان وليد سلطان بالنسبة لهاني برجاس، وكذلك كان السيرفيس بالنسبة لوليد سلطان، وكذلك أراد وليد سلطان من طه أن يكون.


تراب الماس يوحد الأبطال ضد الخصوم

في نفس الوقت الذي اقتحم فيه وليد سلطان والسيرفيس منزل طه، وانتهى الأمر بتصوير طه بجانب جثة السيرفيس، حتى يُجبر على قتل هاني برجاس، رأينا على التوازي اكتشاف سارة حقيقة شريف مراد، وقيامه كذلك بتصويرها أثناء اغتصابه لها. قبل أن تلجأ سارة إلى طه فيعرف مشكلتها وتكتشف حقيقته، ومن الملفت أن ينصحها طه بأن القانون لن يحميها، ما يبرز تطور الشخصية عن ذي قبل، وكذلك يتخلص من الجثة بشكل مبهر، وكأنه على حد وصفه يقتل مرتين في اليوم، وجدير بالذكر أنه في الرواية كان وليد سلطان هو من نصحه بأن يقطع الجثة إلى أجزاء، لكن أحمد مراد جعله في الفيلم من فكر ونفذ كل ذلك بمفرده، للتأكيد إلى قدرته هو الخاصة على التدبر والتصرف. 

ومن الملفت أن استخدم أحمد مراد شخصية سارة مرة أخرى للتخفيف عن الـمُشاهد بعد دفقة انفعالية، مثلما جاءت لطه بعد اكتشاف سر تراب الماس لتصحبه لحضور حفل مع شريف مراد، ها هي تأتي إليه مرة ثانية وجثة السيرفيس في منزله. 

وبسبب تطور الأحداث لم يكن وجودها مجرد تخفيف، بل إن المشهد الحواري بينهما بعد اكتشاف حقيقة كل منهما الآخر، كان من المشاهد التي يستخدمها كتاب السيناريو عادة لتوضيح الوضع الآني، والاتجاه الذي ستتحرك فيه الأحداث، وكذلك مشاعر الشخصية في هذه اللحظة، فكشف لنا المشهد السبب وراء قبول سارة بأن تكون علاقتها مع شريف مراد سرية، وهو أنها تحبه، والأهم كشف لنا شعور طه من خلال حديثه عن علاقته بأمه التي هجرته، وأبيه الذي أبرز لنا الفيلم من قبل مدى قربه منه، فكان من المهم أن نعرف شعور طه ناحيته الآن، وقال إن كلمة أبي هي أغرب كلمة يمكن أن يسمعها!

ومن ناحية أخرى كان السيناريو يوثق التحالف بين طه وسارة ضد خصميهما: وليد سلطان وشريف مراد، وإن كان طه يعتقد في هذه اللحظة أن هاني برجاس هو خصمه، ويظن وليد سلطان حليفاً له. 

(اقرأ أيضاً: الخصم مرآة البطل وليس مجرد شرير)


تراب الماس يختبر طه في ميراث والده

يتخلص طه من جثة السيرفيس، ويرمق الغراب الذي كان يطعمه الأب، كأنما يحدثه، لنستعيد معه ما قاله الأب عن عقاب المخطئ، كما أن طه يقابل وليد سلطان لدفن السيرفيس، والتخطيط لقتل هاني برجاس، وكان ذلك في المقابر حيث دفن الأب، كل هذه إشارات إلى أن ما يحدث في سبيل الأب، ما يحدث هو ميراث الأب. 

ويزور طه عمته فتحكي له عن الرجل الذي ظن أن قتل الفاسدين سيقيم العدالة، فتشوهت روحه وأصبح هو الفاسد. ونوهت سارة على أن الأب لم يستفد شيئاً مما فعل، لقد كان الأب بطلاً سلبياً في قصته، والبطل السلبي هو مصطلح يطلق على الأبطال الذين يخوضون صراعاً ضد خصوماً غير خصومهم الحقيقين، مثل شخصية جعفر الراوي في رواية قلب الليل لنجيب محفوظ؛ حيث واجه زميله المثقف كخصم له وقتله، في حين كان الخصم جده الذي كبت حريته في الطفولة. لقد قتل حسين الزهار أناس لم يقتلوا ولم يشاركوا فيما تعرض له من ظلم بشكل مباشر، وهنا نلفت إلى أن طه في رواية تراب الماس قتل هاني برجاس بالفعل، ثم اكتشف أنه ليس قاتل أبيه، ولكن في الفيلم غير أحمد مراد ذلك، فعرف طه الحقيقة في آخر لحظة، ورغم أن هاني برجاس فاسد بلا شك، إلا أن طه قرر ألا يقتله، وهنا يبرز الفارق بين طه وأبيه، بين البطل التقليدي والبطل السلبي؛ فطه لا يريد أن يقتل سوى من قتل ومن أمر بالقتل، ولذلك قال في نهاية الفيلم أنه يعد بألا يكون مثل أبيه. 

(اقرأ: قلب الليل.. كيف تكون بطل سلبي؟)


تراب الماس يعلمنا كيف نكون أبطالاً

ومرة أخيرة يبرز دهاء طه؛ حيث يضع تراب الماس لوليد سلطان في عبوات السكر الخاصة بالمقهى، ويختفي بعدها، بل ويحضر عزاء من قتل! بعض الممثلين يقررون تأدية الدور من عدمه، بناء على تصرفات الشخصية في أولى المشاهد وآخرها، فإذا لاحظوا تحول كهذا يوافقون على الفور. ومن الملفت أنه في بداية الفيلم بعد إصرار طه على تحرير محضر والعودة للبيت، أتى مشهد له وهو يعزف على الطبول، ومن قبلها حاول التحدث إلى سارة لكنها قست عليه، وبعد اكتشافه تراخي الشرطة حاول أن يعزف وعجز، وبعدها أتت سارة وقالت إنها لم تسمع صوت الطبول منذ وقوع الحادثة، وكذلك قبل قتل السيرفيس اصطحبته سارة للحفل، وبعدها قتل السيرفيس واستطاع أن يعزف باستخدام اللاصق. لذلك قلنا إن عزف الطبول كان معادلاً بصرياً لعجز طه أو قدرته، ونضيف أن سلوكه مع سارة كذلك مؤشراً على تحوله. وفي النهاية نرى فوتومومنتاج لطه يمسك بيدي سارة ويحتضنها، ويعزف على الطبول دون لاصق، لقد ساعده القتل على الفوز بمحبوبته وممارسة هوايته، فلم يعد طه الذي يعرفه، لقد نجح في أن يكون بطلاً، وقد رفض أن ينتقم من شريف مراد نيابة عن سارة -ولذلك أيضاً سارة ليست بطلة لأنها غلظت العقوبة تحت تأثير العاطفة، أنتقم طه لنفسه، وساعدها لما قررت ألا تسكت، لأن السكوت جريمة، ومن المثير هنا أن نشير إلى الفارق بين كلمتي السكوت والصمت، الصمت يأتي عن حكمة، ولكن السكوت نتاج عن العجز والهوان. 

ولا يعني ترك هاني برجاس حياً أن نترك الظلم يستمر، ولكن سيناريو تراب الماس يشير إلى أن المرء ينبغي أن يتخذ موقفاً فيما يعنيه بطريقة مباشرة أولاً، وحينها ربما لن يكون هناك ظالماً ولا مظلوماً، حينها سنطهر أنفسنا، ونثبت امتلاك الإرادة، حينها فقط يجدر بنا التفاؤل.

تم.

أكتب لنا رأيك في التعليقات، وشارك المقال ليصل للمزيد من الأشخاص.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال