الإرهاب والكباب.. موضوع الفيلم في كلمة واحدة!

في هذا المقال نتناول تحليل سيناريو فيلم الإرهاب والكباب، ما هي تيمة الفيلم؟ وكيف استخدمت أجزاؤه المختلفة للتعبير عنها؟

فيلم الإرهاب والكباب من إنتاج 1982م، تأليف وحيد حامد، إخراج شريف عرفة، بطولة عادل إمام ويسرا. يدور حول موظف بسيط يتورط في حمل سلاح واحتجاز رهائن أثناء محاولته إنهاء أوراق في مجمع التحرير، فلا يجد أمامه من حل سوى أن يستمر في الإرهاب، ولكن ماذا سيفعل في مواجهة وزير الداخلية الذي يحاول باستمرار معرفة مطالبه؟ وكيف سيخرج من هذا المأزق؟

(أقرأ: كيف تكتب لوج لاين؟ شخصية وحدث وسؤالين)

الإرهاب والكباب


مشهد بداية الإرهاب والكباب

من أهم المحطات في السيناريو هي مشهدي البداية والنهاية، كلما كان الكاتب واعياً بموضوع فيلمه الحقيقي انعكس ذلك على اختياره لبداية الفيلم ونهايته. ونجد في بداية فيلم الإرهاب والكباب البطل يقف في طابور في مصلحة حكومية، تصطدم به المرأة التي تقف خلفه فيصطدم بمن أمامه، وكلما حاول الرجوع للخلف اصطدم بمن خلفه فعاود الاصطدام بمن أمامه. مشهد كوميدي في ظاهره، ولكنا سنوضح في السطور التالية كيفية اتصاله المحكم بموضوع الفيلم وتكامله مع مشهد النهاية.


وحيد حامد يطرح سؤال الإرهاب والكباب

في أثناء ركوب البطل أتوبيس نقل عام للذهاب إلى مجمع التحرير من أجل إنهاء أوراقه، يدور حوار بينه وبين رجل عجوز عن أحوال البلاد، ويتطور حتى يجعل العجوز يصرخ في الناس متعجباً من عدم تحركهم ضد الظلم الواقع عليهم، وسط امتعاض وسخرية الناس من حوله، ليطرح علينا الكاتب وحيد حامد سؤالاً هاماً: لماذا لا تطالب الناس بحقوقها المهدرة؟ ويعطينا سلوك الناس ضد البطل جزءاً من الإجابة -في مختلف الأماكن وليس فقط في المصلحة الحكومة- حيث يواجه البطل في عمله المسائي رجلاً بديناً يصّرُ على البقاء في المطعم رغم انتهاء ساعات العمل، ويتجاهل الرد على البطل، وكذلك يواجه البطل غضب وصراخ دائم وغير مبرر من زوجته في أمور لا تستحق كل هذا الغضب، كما يواجه فتاتان تتضاحكان عليه لأنه يحمل الخبز فوق رأسه، وهو أمر ليس بالمضحك مطلقاً، والأعجب أنهما فعلتا ذلك على مرآه ومسمعه دون أدنى خجل، ومن ثم الموظفين في المصلحة الحكومية الذين ينشغلون في وقت العمل في كل شيء دون العمل: الحديث في الهاتف والطبخ والصلاة، وجميعهم يعاملون البطل بوقاحة فجة، والأهم أن الموظف الذي يحتاجه البطل لإنهاء الأوراق يقضي يوم عمله كله في الخارج بحجة التواجد في الحمام. ومن هنا يأتي جزء الإجابة وهو أن الناس لا تواجه الظلم الحقيقي لأنها تنفس عن غضبها بطرق أخرى.


بطل الإرهاب والكباب يتحرك

 ولأن العجوز في الأتوبيس هو من طرح السؤال، كان هو من حفز البطل على الثورة، بعد أن بدأ البطل ببساطة بالبحث عن الموظف الذي ذهب للحمام في كل الأنحاء حول المجمع، وتعرض إثر ذلك للإهانة من قبل رجال الأمن والموظفين، يرى العجوز ذاته خارجاً من المجمع غاضباً يحدث نفسه، ما جعل البطل يندفع بعدها نحو الموظفين ويثور عليهم غاضباً مطالباً بحقه في تلبية خدماته مثلما يقدم هو خدمات أخرى في عمله لمواطنين آخرين.

وتشارك بطل الإرهاب والكباب في موقفه الإيجابي مع عدة شخصيات أخرى، منهم ملمع أحذية صعيدي نكتشف بتقدم أحداث الفيلم أنه قتل من ظلمه حين تراخى القضاء في أن يسترد له أرضه المسروقة، وعسكري بسيط رفض المعاملة المهينة التي يلقاها من سيادة اللواء ولم يخش أن يقاضى أو يحاكم.

ونلفت إلى أمر هام بخصوص المشهد الذي يسأل فيه العسكري عن الخطوة القادمة فيقول له البطل:"هنضبش"، كان ذلك المشهد إشارة إلى مرحلة من مراحل القصة أسماها جوزيف كامبل في كتابه البطل بألف وجه بـ(بطن الحوت)، وفيها يجد البطل نفسه قد تورط بالفعل في المغامرة ولا سبيل للتراجع فما يكون أمامه سوى (التضبيش) على أمل أن يقوده لشيء.

(اقرأ: تراب الماس.. كيف تكون بطلاً؟)

وشارك البطل كذلك بائعة هوى رفضت الاعتراف بأفعال لم تقترفها، وقد كانت رغبة الضابط في أن يقهرها على ذلك غير مبررة مثل موقف جميع المنتهكين في الفيلم، ولكن يبدو أن كل قاهر مقهور، وهذا يفسر مشهد البداية، الذي يتبادل فيه البطل التصادم مع من خلفه ومن أمامه، التنفيس هي الكلمة المفتاحية لفيلم الإرهاب والكباب. ويجدر الإشارة هنا إلى المشهد الذي سأل فيه البطل الرهائن عن مطالبهم فعجزوا عن الإجابة، فيكشف لنا فيلم الإرهاب والكباب عن جزءاً آخر من إجابة سؤال العجوز؛ الناس لا تطالب بحقوقها لأن معظم الناس لا تعرف ما هي حقوقها، لا تعرف ما هي مشكلاتها ومظلوميتها، فأغلب الناس تجد نفسها تقهر غيرها تنفيساً عن قهرها بغير وعي أو قصد، فقط لأنهم وجدوا أنفسهم في موضع يسمح لهم بممارسة سلطة ما عليهم، وكذلك وجد البطل نفسه بغير نية أو تخطيط في موضع يسمح له بممارسة سلطة على وزير الداخلية! ولأن البطل كان إيجابياً منذ البداية فقد منحته الرحلة موقفاً يواجه فيه المسئولين الحقيقيين عن الظلم حتى وإن كانوا يعتقدون أنه إرهابياً، وربما أراد الإرهاب والكباب من وصف الإرهابي أن يشير إلى أن من يطالب بحقوقه في نظر الأنظمة القمعية إرهابياً منحلاً. ونلفت هنا إلى الاسترسال الواضح في مشاهد إعداد وجبة الكباب لكل مواطن محتجز في المجمع، ومطالبة البطل بأن يقدم لهم الوجبات مضيفات من سميراميس، فقد قلَب فيلم الإرهاب والكباب الآية وجعل الشعب يتسلط ويتحكم في الحكومة وليس العكس. 


ذروة الإرهاب والكباب وعلاقته بفيلم المنسي

ولم تكثر مطالب البطل وتحكماته، وقد كانت معظمها فقط لأنه متورط في الأمر، ومطالب بأن يثبت لهم أنه إرهابي وله مطالب، حتى جاءت اللحظة التي لابد وأن ينهي فيها الأمر، ويطالب حقيقة بما يريد، فجاء المونولوج الذي أشار فيه إلى أنه متقبل لكل الأزمات الموجودة في البلاد ما عدا المهانة، إنه يطالب فقط بإنسانيته، ولأنه ولأننا اكتشفنا أن بقية الناس مقهورين مثله فقد تصالح معهم، بل واستعان بهم في الخروج من المجمع كما لو كان واحداً منهم، وهو كذلك بالفعل. وكأن فيلم الإرهاب والكباب -شأنه شأن معظم أفلام وحيد حامد وخاصة الخماسية مع المخرج شريف عرفة والممثل عادل إمام- يأخذنا في رحلة مؤقتة ليكشف لنا شيئاً معيناً مع ذروته، ومن ثم يعود كل إلى مكانه، هكذا فعل وحيد حامد في فيلم المنسي تحديداً فقاد البطل إلى مواجهة مع خصمه في ذروة الفيلم، دون أن تنحل أزمة البطل مع الفقر، قبل أن يعود كل إلى موضعه، مع مشهد ختامي يلمح إلى حل محتمل، وقد تشابه الحل المطروح في فيلم المنسي مع نظيره في فيلم الإرهاب والكباب؛ فقد احتمى البطل بالناس، وأشار الكاتب وحيد حامد إلى هذا الأمر في حديث له، فقال إن من يحتمي بالناس ينجو ومن يحتمي بالأنظمة يخسر. 

وكذلك يتشابه فيلم الإرهاب والكباب مع فيلم المنسي في أن رحلة البطل في حد ذاتها كانت هي الفكرة أو التيمة؛ فكانت التيمة هي المواجهة في المنسي وكانت التنفيس في الإرهاب والكباب. 

(اقرأ: دم الغزال وتيمة القهر)


ختام الإرهاب والكباب

ويأتي ختام الإرهاب والكباب ليكون علامة الترقيم الأخيرة في سطوره، والقوس الذي يغلق به وحيد حامد  ما بدأه في المشهد الافتتاحي، فبعد خروج البطل من المجمع بسلام يتوقف لينظر إليه نظرة أخيرة، ويتقاطع مع هذه اللقطة لقطات لملمع الأحذية يبتسم في نشوة، وكذلك العسكري ينظف مكتب اللواء بعدما كان قد قرر ألا يعود إليه أبداً، ثم نعود للبطل وقد اتضح في الآونة الأخيرة أن جزءاً من اللقطة كان محذوفاً، والذي يبتسم فيه البطل وهو ينظر إلى المجمع في تشفٍ وارتياح، وبالعودة إلى مشهد البداية نجد أن رحلة الإرهاب والكباب قادت البطل وقادتنا معه من مجرد التخبط والتنفيس الاعتباطي في غير الهدف، إلى توجيه الغضب تجاه المظلومية الحقيقية والمسئولين عنها والقادرين على توقيفها.

تم.

أكتب لنا رأيك في التعليقات، وشارك المقال ليصل للمزيد من الأشخاص.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال