في هذا المقال نتناول تحليل سيناريو فيلم ليون المحترف، وكيف يتخذ السيناريو من احترافية ليون إطاراً لتمرير أحداث الفيلم وفكرته. الفيلم من تأليف وإخراج لوس بيسون، بطولة جين رينو، ناتالي بورتمان، وجاري أولدمان. يدور ليون المحترف حول قاتل مأجور يصبح مسؤولاً عن طفلة ويعلمها مبادئ القتل، فماذا سيفعل ليون في مواجهة قاتل أسرتها خاصة وأن مشاعره تطورت تجاهها كأنثى؟ وكيف سيكون تأثير حبه عليها؟
(أقرأ: كيف تكتب لوج لاين؟ شخصية وحدث وسؤالين)
لتجربة أفضل:
ليون المحترف.. الاحترافية والحب
ذكر ليون في مشهد من مشاهد الفيلم أنه كلما زادت احترافية القاتل قلت المسافة بينه وبين الهدف، لذا عادة ما يكون السكين هو آخر سلاح يتدرب عليه القاتل المأجور، ونلاحظ أن ليون في بداية الفيلم قد مر من خلال جيش من الحراس وسيال من الرصاص، حتى يصل لهدفه وينجز العملية باستخدام سكين، بالتالي هو شخص شديد الاحترافية، ولكنه في نفس الوقت يحنو على طفلة تسكن بجواره، ويذهب للسينما ليشاهد جين كيلي يرقص ويغني: "الحب جعلني أرى الحياة من منظور مختلف"، فكيف ستكون العلاقة بين الحب والاحترافية؟ وماذا سيفعل ليون في صراعه بينهما؟
ليون المحترف.. الاحترافية إطاراً للعلاقة بين ليون وماتيلدا
لقد خرق ليون قواعد الاحترافية لمّا تحدث إلى ماتيلدا وعطف عليها، وقد نتج عنه أن لجأت إليه حين قُتلت عائلتها، ولم تنتصر احترافية ليون على إنسانيته ففتح لها، وبذكاء استغلت ماتيلدا ذلك حين حاول التخلي عنها، وقالت إنه أصبح مسئولاً بعد ما فتح لها. وقد اتخذت العلاقة بين ليون وماتيلدا إطاراً احترافياً، سعت له ماتيلدا بأن طلبت منه أن يعلمها مبادئ مهنته، ومن الملفت حين أطلقت ماتيلدا الرصاص عشوائياً من النافذة -لتثبت له قدراتها- أن قال لها ليون في المشهد التالي إن ما فعلته ليس احترافياً.
وجدير بالذكر هنا استخدام السيناريست مشهد انتقال ليون وماتيلدا من فندق إلى فندق، للإشارة إلى عبور البطل من مرحلة لأخرى، فنرى ليون في بداية المشهد يتحرك مرتقياً من أسفل لأعلى، ثم تظهر ماتيلدا بجواره وهي الداعي والمنادِي.
وبدأ ليون يعلمها مبادئ القتل، وهنا برز الاختلاف بين ليون البطل وبين الخصم ستانسفيلد، الذي قتل عائلة ماتيلدا؛ فالأخير يقتل بلا سبب أحياناً، يقتل لأجل القتل ذاته، في حين كانت قاعدة ليون الأساسية ألا يقتل النساء ولا الأطفال. ومضت علاقة ليون وماتيلدا في إطار الاحترافية لبعض الوقت، الذي سمح للحب أن يتسلل، وكان أشبه بحب بين طفلين، ربما لهذا السبب كان ليون يشرب الحليب دون سواه، ورغم أن الفيلم يدور حول قاتل محترف، إلا أن معظم مشاهده كانت نهارية، والنهار في السينما دائماً ما يكون متصلاً بوجود الأطفال، ولم تكن ماتيلدا سوى فتاة بالغة في هيئة طفلة، وكان ليون كذلك طفلاً صغيراً في جسم قاتل محترف.
ليون المحترف يصل إلى منتصف الرحلة
سرت الأمور على هذا النحو حتى جاء التحول، ففي منتصف القصص غالباً ما يحدث تغير في مسار الأحداث، ولكنه تحول في إطار نفس الموضوع، وكنتيجة لما حدث في النصف الأول، وكان التحول بأن باغتت ماتيلدا ليون واعترفت بحبها له، بينما كان يشرب (الحليب)، وبدا عليه التهرب والإنكار.
وجدير بالذكر أن ماتيلدا استدلت على صدق مشاعرها بزوال الألم المعتاد في معدتها، وتلك ظاهرة في علم النفس تدعى الأمراض النفس جسدية؛ فحين يفتقر الإنسان لاحتياج نفسي معين يبدأ جسده في التعبير عن ذلك، ومن عبقرية سيناريو ليون المحترف أن اختار كاتبه ألم المعدة تحديداً؛ فبالنظر إلى علاقة ماتيلدا مع أهلها، ندرك أنها كانت في حاجة إلى الاهتمام والحب، وفي علم النفس يكون الاهتمام أولى احتياجات الإنسان خلال السنتين الأولتين من حياته، وتسمى هذه المرحلة بالمرحلة بالفمية؛ حيث يكتشف الإنسان كل شيء عن طريق فمه، وبذلك يرتبط الاحتياج إلى الحب بالجهاز الهضمي تحديداً.
وللتأكيد على التحول في الأحداث، استخدم السيناريست مشهد الانتقال من فندق لآخر للمرة الثانية، ولكن هذه المرة ليس بسبب خرق قواعد الاحترافية، ولكن لأن ماتيلدا أخبرت مدير الفندق أنها وليون عاشقان وليسا أباً وابنته. ما يؤكد على أن السيناريو يتخذ من الاحترافية إطاراً للحديث عن الحب، ففي النصف الثاني من القصص يتكشف الموضوع بعمق أكبر، ويكون التحول دائماً إشارة إلى أن ما هو آت لن يكون مثل ما فات، ولذلك نعود لرغبة ماتيلدا في الانتقام لأسرتها، وصراع ليون ضد ستانسفيلد ورجاله، رغم أن ليون شدد في مشهد سابق على أن الانتقام لن يفيد.
(اقرأ: ملخص فن الشعر.. التحول في منتصف القصص)
ومن الملفت أن ماتيلدا عرضت على ليون أموالاً مقابل عملية الانتقام، ما يشير إلى إدراكها أن الاحترافية هي مفتاح التعامل معه، إلا أنه رفض وقاوم، ولكن ماتيلدا استطاعت مرة أخرى أن ترغمه على الإذعان، ومن المثير أنها فعلت باستخدام أداة من أدوات ليون الاحترافية، ألا وهي المسدس، حيث لعبت به ماتيلدا لعبة كادت تودي بحياتها، لولا أن أنقذها ليون في آخر لحظة، وبذلك فضحت مشاعره أمامها وأمام نفسه.
ومن قبل كان ليون قد أبتاع لها فستاناً على سبيل الهدية، ولوحظ الدم يسيل من يديه، ثم اتضح بعدها أن ليون قد أصيب بطلق ناري! ليون الذي يرتد الرصاص من جسده، الذي خاض جيش الحراس المسلحين ووصل إلى الهدف بسكين، يصاب أثناء عملية!! كان ذلك دليلاً على أنه تحت تأثير الحب لم يعد ليون قادراً على التركيز في عمله مثل السابق، لم يعد ليون محترفاً كما كان، وهنا يجدر الإشارة إلى أن مشهد العملية الأولى استغرق وقتاً طويلاً على الشاشة، حتى يلفت السيناريست إلى مدى احترافية ليون في البداية، لكي ندرك تأثير الحب عليه حين نصل إلى هذه النقطة.
ليون المحترف وقصته من الماضي
وأخيراً كشف لها ليون عن جرحه من الماضي، الذي قاده للعمل كقاتل مأجور من الأساس، والاختباء خلف أقنعة الجفاء؛ فقد قُتلت محبوبته على يد أبيها، بسبب رفضه لعلاقتهما، وقتله ليون انتقاماً، ولذلك كان يحاول إثناء ماتيلدا عن رغبتها في الانتقام. كان ذلك في مشهد ارتدت فيه ماتيلدا الفستان الذي أشتراه لها ليون، وكالعادة كانت هي من تبادر بالحديث عن الحب. لقد استطاعت ماتيلدا أن تجذب الإنسان من داخل ليون، ليكسر هذه القشرة الجامدة التي يختبأ خلفها، ويخرج للحياة، جعلته يلعب ويشرب الخمر وكادت تقبّله، وأخيراً أقنعته أن ينام بجوارها لأول مرة، وفعل! وذكرت ماتيلدا في اليوم التالي أن ليون كان مستغرقاً في نوم عميق كما الأطفال، وقد كان ينام من قبل جالساً على كرسي، بعين مغلقة وأخرى مفتوحة على حد وصفه. ومضت ماتيلدا في حيوية لتبتاع بعض الحاجيات، وتحرك ليون ليتوسط السرير بجسده، ويفرد ظهره كأنه يختبر الراحة للمرة الأولى منذ أمد طويل.
ليون المحترف في مواجهة الخصم
ولكن كان للكراهية رأي آخر..
وكذلك كان ليون شخصاً آخر، فدائماً ما تقود الأحداث أبطالها إلى مواجهة الموت -سواء حرفياً أو مجازياً- حتى تخرج منهم ما لا يتصوره أحد، ولا حتى الأبطال أنفسهم. واجه ليون القوات التي جاءت لتقلته وماتيلدا بكل ما أوتي من قوة ودهاء، ولأول مرة يكون ليون هو المبادر في الحديث عن الحب، قائلاً إن ماتيلدا جعلته يتذوق طعم الحياة، وأنه يرغب فقط في أن يعيش معها للأبد، ويكون له جذوراً -وهو تعبير استخدمه ليون في مشهد سابق ليصف التشابه بينه وبين النبات الذي يعتني به في المنزل.
ونجح ليون في إنقاذ ماتيلدا ولكن فشل في إنقاذ نفسه بسبب مكر ستانسفيلد، ولكن ليون المحترف دائماً جاهز لكل الاحتمالات، احترافية ليون مثلما قادته إلى ماتيلدا وأعانته على حمايتها، ساعدته في نهاية المطاف لتحقيق هدف ماتيلدا والانتقام من قاتل أسرتها، كان ليون يخبأ متفجرات في ملابسه، وقد قام مع ستانسفيلد بتنفيذ خدعة تخص الانفجار، كان قد استخدمها في مشهد سابق لحماية ماتيلدا من الموت أثناء تنفيذ إحدى العمليات، وكان آخر ما قاله ليون لستناسفيلد مشيراً إلى حلقة القنبلة في يده: هذه من ماتيلدا.
(اقرأ أيضاً الخصم مرآة البطل وليس مجرد شرير)
قتل كلاً من البطل والخصم، وكأن ليون يتطهر ويطهر العالم من الكراهية، بعد أن زرع المحبة في قلب ماتيلدا، وكذلك زرعت ماتيلدا نبات ليون في حديقة مدرستها في المشهد الأخير، فالكراهية تموت لكن الحب جذوره قوية، ستنمو وتزهر في داخلها، مثلما سينمو ذلك النبات في الحديقة.
تم.
أكتب لنا رأيك في التعليقات، وشارك المقال ليصل للمزيد من الأشخاص.