عندما تكون بصدد كتابة قصة أياً كانت نوعيتها، اجتماعي أو أكشن أو كوميدي، إلخ، فأنت في حاجة إلى تحديد موضوع رئيسي واحد تكون جميع الخطوط الدرامية والشخصيات متصلة به، ولكن عندما تكتب في النوعية الاجتماعية تحديداً، نظراً لما تتسم به من تعدد الخطوط الدرامية واختلافها، حيث يكون لكل شخصية حياتها وأهدافها الخاصة، ولا يكون الجميع متصل بحدث رئيسي واحد، شأن بقية القصص التقليدية، حينها يكون تحديد موضوع رئيسي -وإن كان بشكل غير مباشر- أمراً غاية في الأهمية، لكي يستشعر المشاهد الترابط والتماسك في قصتك، حتى وإن لم يدرك السبب، فإنه يتأثر وجدانياً. وفي هذا المقال نتناول تحليل سيناريو مسلسل الهرشة السابعة، موضوعه الرئيسي، وما الذي يربط بين شخصياته؟
مسلسل الهرشة السابعة، مسلسل اجتماعي/رومانسي، عرض في رمضان 2023، يتكون من 15 حلقة، من تأليف ورشة سرد مريم نعوم، إخراج كريم الشناوي، بطولة أمينة خلية ومحمد شاهين، علي قاسم وأسماء جلال. يدور حول نادين، وهي شخصية انفعالية تحمل بعد زواجها بفترة قصيرة، فتصاب وزوجها بالهلع من فكرة الإنجاب، ما يلفت إلى عدم سعادة كل منهما بالزواج، رغم العشرة الطويلة بينهما. وعلى التوازي شريف شخصية متحررة، يحاول إنجاح علاقته مع سلمى، رغم جنوحها نحو التقاليد المجتمعية من زواج وإنجاب، فيما يظهر شريف خوفاً شديداً من فكرة الإنجاب تحديداً. فكيف ستنجح نادين في العلاقة مع آدم رغم الإنجاب؟ وهل لا بد للزواج أن يستمر حتى يكون ناجحاً؟ وكيف ستنجح علاقة شريف وسلمى رغم تعارض توجهاتهما؟ وماذا ستكتشف عن ماضيه المتعلق بالإنجاب؟
(اقرأ: كيف تكتب لوج لاين؟ شخصية وحدث وسؤالين)
الموضوع الرئيسي في الهرشة السابعة
يتخذ كتاب سيناريو مسلسل الهرشة السابعة من الإنجاب والعلاقة بين الآباء والأبناء موضوعاً رئيسياً، يمررون من خلاله خطوط جميع الشخصيات الرئيسية والفرعية، نظراً لأن المسلسل يتناول العلاقات، فقد قرر الكتاب أن الإنجاب هو الموضوع المثالي، بما أنه النتيجة الملموسة للعلاقة بين الرجل والمرأة. وبذلك يكون الموضوع الظاهري لـ مسلسل الهرشة السابعة هو تطور العلاقة بين الرجل والمرأة، وتغير كل طرف منهما كلية عند السنة السابعة من عمر العلاقة، ويكون الرابط الداخلي بين أحداث وشخصيات المسلسل هو العلاقة بين الآباء والأبناء. فنجد أن حمل نادين هو الذي سلط الضوء على عدم سعادتها وآدم بالزواج، رغم أنهما مرتبطان منذ أكثر من خمسة عشرة سنة، وكانا يتوقان للزواج من بعضهما البعض. ونجد أن والدة نادين لم تطلب الطلاق إلا بعد أن تزوجت ابنتها وكما يقال اطمأنت عليها، وكذلك حين قررت فيفي أن تتزوج كان لرأي ابنها وأبناء عريسها دور هام في إتمام الزواج. وكذلك كان هناك تركيز كبير على شكل العلاقة بين الآباء والأبناء بالنسبة لجميع الشخصيات، فنرى والدة آدم كيف تعامله باهتمام مفرط وشبه تقديس، ونرى كيف أن هناء تجنح للسيطرة على حياة ابنتها، ما جعلها تقلب بيت نادين رأساً على عقب، لمّا جاءت لتساعدها فأرادت أن تنسق كل أمور البيت كما تحب هي. وعلى النقيض نرى علاقة هلال وماجي بابنهما شريف، ونرى كذلك التعقد الشديد في العلاقة بين والدي سلمى وبين ابنتهما.
وحتى أصدقاء آدم ونادين وشريف وسلمى كان في الغالب يدور الحوار بينهم حول الإنجاب ومستقبل الأبناء، وكيف أن السائد هو أن يقرر الآباء للأبناء بالنيابة عنهم، وأن مجتمعنا المصري دائماً ما يتحدث عن بر الوالدين لكنه لا يهتم ببر الأبناء. وحتى أن تطور الخطوط الدرامية كان يصب في نفس الاتجاه، فنجد أن علاقة آدم ونادين كانت تتعقد بسبب الأبناء في المقام الأول، فبسببهما لم تستطع نادين أن تهتم بنفسها، ولا أن تعمل ويكون لها حياتها الخاصة، وفي مشهد المواجهة الأخيرة بين آدم ونادين قبل الطلاق نجد أن ما قطع الحوار بينهما هو مجيء أحد توأميهما لطلب المساعدة من نادين في دخول الحمام، وكأن كتاب السيناريو يشيرون من خلال ذلك إلى موضوعهم الرئيسي والسبب وراء هذه المواجهة. وكذلك علاقة شريف وسلمى ازدادت تعقيداً حين رغبت سلمى في الإنجاب، ورفض شريف رفضاً محموماً، قبل أن تكتشف سلمى أن له بنتاً لا يعرف عنها شيئاً منذ ولدت، ويتحرك الخط الدرامي في نفس الاتجاه، فنتابع تطور العلاقة بين شريف وابنته.
(اقرأ: تحليل مسلسل سجن النسا.. أزمة الحدود والتواصل)
رسم شخصيات الهرشة السابعة
من أفضل الطرق وأسهلها عند رسم الشخصيات الدرامية هي تحديد ما يسمى بالهدف والحاجة، الـ Want والـ Need، فكل شخصية تريد شيئاً وتحتاج شيئاً، تدخل الشخصية الرحلة بهدف ظاهري تريده، وتكشف لنا الرحلة عن حاجة داخلية تحتاجها الشخصية لكي تتغير، سواء للأفضل أو للأسواء بحسب طبيعة الأحداث وشكل النهاية. والجانب الأهم في الشخصية الدرامية دائماً هو الماضي، أحياناً ما يكون حدثاً معيناً، مثلما كان مع شخصية شريف بخصوص الطفل الذي قرر التخلي عنه تماماً، وكذلك أزمة سلمى مع أهلها منذ الطفولة. وأحياناً ما يكون الماضي هو الطريقة التي نشأت وتربت عليها الشخصية، أو ظروف حياتها بالكامل هي التي تحدد سلوكها في الحاضر، وذلك ما كان مع شخصية نادين وآدم.
وجدير بالذكر أن لكل قصة من قصص الهرشة السابعة -مهما تعددت خطوطها الدرامية ومساحات ظهور شخصياتها- بطل رئيسي واحد، وكانت نادين هي بطلة الهرشة السابعة الرئيسية، حيث إنها المحرك الرئيسي لفكرة المسلسل التي سنوضحها فيما بعد، وكان آدم هو الخصم في قصتها. وكان شريف هو البطل الفرعي لأسباب سنوضحها كذلك فيما يلي، وكانت سلمى هي الخصم في قصته. ولا بد أن نشير هنا إلى أن كلمة الخصم في الدراما تعني الشخص الذي يحول دون هدف البطل، وبالتالي لا يقتضي دائماً أن يكون شريراً، بل على العكس قد يكون أخير من البطل، إذا ما كان هدف البطل غير صائب، مثلما كان فرانك سلايد في فيلم Scent of a woman يريد أن يقتل نفسه، وكان الخصم بالنسبة له هو تشارلي الذي يحاول أن يمنعه عن ذلك.
(اقرأ: تحليل Scent of a woman.. من يعرف الصواب ولا يختاره يصبح أعمى!)
أهداف شخصيات الهرشة السابعة
كان هدف نادين هو إنجاح علاقتها مع آدم، وعليه لم تكن حزينة حين اكتشفت حملها في أول حلقة، كانت متفاجئة فقط، في حين كان آدم مصدوماً وغير راغب، ما دفعه لأن يرفض إخبار أي من أصدقائهما بخبر الحمل. وكانت نادين باستمرار تحاول تحسين علاقتها مع آدم، فتطلب منه أن يخرجا سوياً، ويقضيان مع بعضهما وقتاً أطول، في حين كان يدفعها آدم نحو حلول أخرى لا علاقة لها بتحسين العلاقة، مثل أن تعمل وتشغل وقت فراغها. وفي هذا الوقت لم تكن نادين قد أنجبت -بعدما أجهض الطفل الأول- فتسنى لها ذلك، ولكن ما إن حملت للمرة الثانية ثم أنجبت، حتى أصبح العمل والعلاقة مع زوجها متأزمة بسبب انشغالها مع طفليها، ما يؤكد على أن الأبناء هما المحرك الرئيسي للعلاقات بين شخصيات الهرشة السابعة. ولمّا لم تنجح نادين في عملها الأول كمهندسة ديكور، وعملت في الإعلانات والدبلجة، كان طفليها هما العائق الأساسي بينها وبين العمل، قبل أن يرفض آدم عملها برمته، لمّا وجده يؤثر على وجودها في البيت واهتمامها به، وقد اعتاد بحكم تربية فيفي له أن تتمحور حياة الطرف الآخر حوله.
وعلى التوازي كان هدف شريف هو إنجاح علاقته مع سلمى، رغم الخوف الشديد من الفشل، ما جعله يطلب منها المساكنة قبل الزواج، ولوحظ أن شريف يتخوف بشدة من المسئوليات كلما ذكرت، على حد قول سلمى، ويرجع ذلك إلى قصته من الماضي المتعلقة بالأبناء، وطبيعة تربيته من قبل ماجي وهلال، ما يتصل كذلك بالعلاقة بين الآباء والأبناء. وكانت سلمى على النقيض من ذلك، إذ كانت تسعى لعيش حياة طبيعية، غير متخوفة من المسئوليات، رغم جرحها النفسي العميق الذي صنعه والداها، بعكس شريف الذي فعل والداه كل شيء حتى يجعلا منه إنساناً سوياً، وسنشير إلى ما يرمي ذلك إليه فيما بعد. الآن سنكتفي بأن نذكر أن سلمى كانت عكس شريف في حب الحياة والجنوح نحو الاستقرار، رغم أن سلمى هي المجروحة من أهلها وليس شريف. ولذلك كانت سلمى مدربة بالية مائي، حيث إن شخصية مثلها تستطيع أن تقيم علاقة صحية مع شخص مثل شريف، تتقبله وتتقبل حياته غير التقليدية، ولا تحكم عليه بالانحلال مثلما فعل أهلها وخاصة نادين، لهي شخصية تفعل مثلما تفعل راقصة البالية المائي بالضبط، جسمها غائص في المياه، وأنفاسها مكتومة، ومع ذلك ترقص وتستعرض. وقد كانت سلمى مدربة وليست مجرد لاعبة، للتأكيد على تمكنها الشديد وقدرتها المذهلة على النجاة، رغم تربيتها القاسية.
التحول في منتصف الهرشة السابعة
وفي منتصف الهرشة السابعة تتخذ الخطوط الدرامية منعطفاً جديداً، وهذا ما يحدث عادةً في منتصف القصص، حتى يقودها إلى الذروة، فبعد أن تتعقد علاقة شريف وسلمى -رغم تجاوز عقبة المساكنة- حين تقرر سلمى أن تنجب، نكتشف أمر ابنة شريف في منتصف السيناريو. وعلى التوازي يكون التحول في قصة نادين وآدم أن تظهر داليا في حياة آدم، وهو أمر لا علاقة له بالأبناء، ولكن لأن الهرشة السابعة يدور حول الأبناء كما ذكرنا، نجد أن نادين تقرر الطلاق عند هذه النقطة رغم أن هدفها منذ البداية هو إنجاح العلاقة، ويكون السبب في قرارها أنها ليست الشخص الذي سيرتضي خيانة شريك حياتها، لأنه يدفع مصروفات الأبناء، وأنها لن تقبل وتتحمل لأجل الأبناء، كما يفعل غيرها من النسوة، لأن الأم السعيدة غير قادرة على تربية طفل سعيد.
(اقرأ: ملخص فن الشعر أرسطو.. التحول في منتصف القصص)
حاجة شخصيات الهرشة السابعة والتغيير
وهنا نتحدث عن حاجة الشخصيات، وهي كما أشرنا من قبل أن الحاجة هي أمر داخلي مرتبط بهدف الشخصية وقصتها من الماضي، وحين تواجهه الشخصية الدرامية وتمتصه، تستطيع أن تفك تشابك قصتها وتخرج بالحل، تستطيع أن تتغير.
تطلق نادين وتبدأ في محاولة إنجاح حياتها بمفردها دون آدم، فتعمل كمذيعة بودكاست على الإنترنت، وتختار العلاقات موضوعاً. وجدير بالذكر أن جميع من استضافتهم نادين في برنامجها تحدثوا عن الأبناء -موضوع المسلسل- بطريقة أو أخرى، حتى أن الفنان ماجد الكدواني حكي عن معرفته بحمل زوجته للمرة الأولى، وكيف صدم وارتعب، وأشار إلى تأثر الرجال بالحمل والإنجاب مثل تأثر المرأة. وعلى التوازي تتعقد علاقة شريف وسلمى، بعد دخول ابنته حياتهما، ويحدث تماس بين وجود جوليا وجرح سلمى من الماضي مع أهلها. في الدراما تواجه الشخصية أكبر مخاوفها حتى تتعلم وتتغير، وقد كان هدف نادين إنجاح العلاقة مع آدم، وأكبر مخاوفها أن تخسره، فقادتها الأحداث لأن تختار الطلاق بنفسها، وبإصرار. وكذلك يواجه شريف أكبر مخاوفه؛ الأبنة، وكان شريف قد رفض الإنجاب قديماً لأنه كان صغير جداً في السن، وكان يرفض الإنجاب في الكبر لأنها مسئولية كبيرة، يخشى ألا يكون قادراً على تحملها، وتحمل تبيعاتها، التي ستؤثر على علاقته مع سلمى.
ونلفت هنا إلى صعوبات التواصل الواضحة عند جوليا، فأحياناً ما تُسأل عن شيء عاديٍ، لكن تعطي تعبيرات متعجبة، وأحياناً تنتزع من يدي الشخص الأشياء التي يمسكها بقوة ودون استئذان، وأحياناً أخرى لا يتسق تعبير وجهها مع ما تقول. كلها إشارات على عدم حصولها على تواصل جيد من قبل أمها، وتأثرها بغياب الأب، وقد حدث مثل ذلك مع سلمى، ولكن سلمى لم تعاني مثل هذه الصعوبات، بفضل وجود فيفي، وبفضل قدرة سلمى على التعافي، ما يجعل من سلمى قادرة على منح جوليا ما حرمت منه هي، وكانت هذه هي حاجة شخصية سلمى. أما شريف فقد اكتشف أنه لا ينبغي أن تكون الظروف مثالية كي يعيش حياته، وقد ذكرنا من قبل أنه -رغم التربية الإيجابية والدعم الذي حصل عليه من أهله بعكس سلمى- كان يتخوف بشدة من المسؤولية، فالحصول على تربية إيجابية لا يعني بالضرورة نشأة شخص خال من العيوب، بل إن التربية الإيجابية جعلت من شريف شخص يفكر أكثر من اللازم. وهذا ليس حط من شأن التربية الإيجابية، وإنما هي طبيعة الحياة، في كل الأحوال ستظهر العيوب والمشكلات التي ينبغي علينا مواجهتها، في كل الأحوال سنتألم، ما يهم هو كيف سنواجه هذا الألم.
إن حاجة جميع شخصيات الهرشة السابعة -وخاصة نادين- تتلخص في التخلص من المثالية، التخلص من التفكير بطريقة الأبيض والأسود، وقد أبرز كتاب السيناريو ذلك في المشهد بين نادين وشادي، حين سألته عما يرمي إليه من وراء مساعدته لها، فقال ببساطة إنه يساعدها لأنها صديقته، ولا يقتضي أن يكون المرء معجباً أو محباً لكي يساعد. وحينها حكت له عن الإشارات المتناقضة التي يعطيها لها آدم، ونصحها بأن تحيد علاقتها معه في هذه الفترة، مشيراً إلى أنه لا ينبغي للمرء أن يكون متخلياً تماماً عن الآخر، أو أن يكون مرتبطاً به. وكان آدم في حاجة لأن يتخلص من اعتماديته على الطرف الآخر في العلاقة بشكل كامل ومثالي، وحدث ذلك من خلال مسئوليته الكاملة عن الأبناء في الأيام التي كان يقضيها معهم في المنزل، فنراه يطبخ وينظف ويرعى، وكانت نادين في أثناء ذلك تحاول أن تحافظ على صحة ابناءها النفسية رغم الانفصال.
إنه اللون الرمادي، هذا ما تحتاجه نادين تحديداً، هي الآن في حاجة لأن تكون بمفردها قليلاً حتى تستقر، وتكون من بعد ذلك جاهزة لأن تعيد علاقتها مع آدم، أو أن ترتبط بغيره، أو تفعل ما تريد وترتئي، ولذلك لم توافق نادين في مشهد نهاية الهرشة السابعة على عودة آدم لحياتها، وكذلك لم ترفض، وإنما قالت إنها ستفكر.
تم.
أكتب لنا رأيك في التعليقات، وشارك المقال ليصل للمزيد من الأشخاص.