رغم امتعاضي من ارتدائها جيبة فوق بنطلون حاولتُ أن أتقبل، أتقبل حتى شعر يديها الأكثر غزارة من شعر يدي، ولكن كيف أتقبل أنها رمتني بنظرة اشمئزاز مريبة قبل أن تجلس بجواري؟ من المؤكد أنها لا تعكس اشمئزازي منها، خاصة وأن هذه النظرة لم تكن الأولى من نوعها، فلمّا دخلت المدرج وسألت إحدى الجالسات أن تسمح لي بالجلوس فعلت وهي تزفر في غضب واشمئزاز مماثل!
لعل كرهنا جميعاً لكلية العلوم يبرر اشمئزاز هاتين الفتاتين لكنه فوق احتمالي؛ فأنا محمول من الأساس على الحضور اليوم بعد أن مر أسبوعان منذ اليوم الوحيد الذي حضرته في بداية الدراسة، وكنت حينها برفقة أحد أصدقائي، ها هو يدخل من باب المدرج المهيب، ولكن بمفرده! ألم يكن برفقة فتاة حين قابلته في الصباح؟ لقد تجاهل وجودي ولم يسلم عليّ حينها لأنها كانت معه. لا أدري هل يقتضي وجوده مع فتاة معاملة أصدقائه بجفاء؟ أم أن وجود الفتاة في حياة المرء يدعو إلى بتر ما سواها من صلات؟ ولا بد طبعاً من تجاهل بعضهما البعض أثناء تواجدهما في منطقة سكنهما، ولكن هل حتى في الكلية لابد وأن تجلس بعيدة عنه؟ لقد دخلت معه إلا أنها جلست في مكان قريب مني، وتحرك صديقي إلى أقصى المدرج حيث جلستُ معه في المحاضرة السابقة. وضعت الفتاة حقيبتها بيني وبينها، وحينها أدركت كل شيء، ما جعل الخجل يعتريني؛ إنهم يقسمون المدرج جزءاً للأولاد وآخر للبنات!
سمعتُ صفيراً خافتاً لأنفاسي من التوتر، قبل أن ألاحظ أن هناك بضع شباب آخرين (منحلين مثلي) يجلسون في جزء الفتيات بشكل متفرق، وجاء المحاضر، ولكنه كتب كلمة واحدة بملء السبورة: "الحياء"!! هل أضحى الحياء متصلاً بعلم النبات؟ أم أنه سيدرس لنا حياء الأزهار من القيام بالبناء الضوئي أمام الشمس؟! أدركتُ أنه دكتور (سعد أخلاقو) الذي سمعتُ الطلاب يتحدثون عنه، حيث يتكلم معهم عن خلق ما قبل بداية كل محاضرة. وراح يتحدث عن الحياء بصوت مرتعش نظراً لرداءة الميكروفون، حتى وقعت عيناه على الطلاب المنحلين، فعبس وجهه وذكر أنه نوه على ذلك من قبل، ولكن يبدو أنه لا بد وأن يقوم بفصل الأولاد عن البنات بنفسه! سرت البرودة في وجهي من الخوف، لعنتُ الحب والكلية والجيبة والبنطلون! وكان علي أن أقرأ ما تيسر من القرآن حتى لا يعدّل أماكننا في هذه المحاضرة، فسوف يكون وقوفي وتحركي من وسط البنات أكثر لحظة محرجة في حياتي بلا شك.
النهاية.