* * *
لم استطع إخفاء سعادتي أمام أهل البيت بما كنت أدخله على اللعبة من تعديلات؛ تصحيح أسماء وشعارات الفرق التي ترفض استخدام الألعاب لمعلوماتها الخاصة مثل ناديَّ المفضل ريال مدريد، والأهم انتقالات اللاعبين الأخيرة، يرحل أوزيل ليأتي جاريث بيل. كان عليّ أن أخفي حماسي، فما يلحظه أحد إخوتي إلا ويتذكر دوره في استخدام الكمبيوتر ربما قبل أن يحين.
اعتدت الاحتفاظ بنسخة من ملف التعديلات، لم أكتف بمتابعة شريط النسخ حتى نهايته، خوفاً من أن تكون نافذة النسخ قد انغلقت قبل انتهائه، فقمت بمقارنة حجم الملفين المنسوخين، وأيضاً مراجعة المحتويات ملفاً ملفاً حتى اطمأننت إلى تطابقهما الكامل، هذا بالإضافة إلى قيامي بالتسجيل بعد انهاء انتقالات كل فريق على حدة، خشية تعطل اللعبة المفاجئ أو انقطاع الكهرباء غير المتوقف في أيامنا هذه.
التسجيل، يا لها من نعمة تمنيتُ لو توفرت في الأتاري فكنت سأستطيع الاحتفاظ بالمرحلة التي بلغتها لاستكمالها فيما بعد بدلاً من البدء من الصفر في كل مرة. يا الله كنت سأنغمس في اللعب باطمئنان لا يحول دونه خوفي الدائم من انتهاء دوري، أو الوصول لتقدم يصيبني إغلاق اللعبة عنده بالحسرة! الخوف من التقدم لم يمنع ابداً من الإذعان لرغبتي المحمومة فيه، لذا كنت أبحث عن حلول أخرى، ولكن صاحب الدور التالي من إخوتي كان دائماً ما يرفض أن يلعب نفس اللعبة حتى وإن كانت لعبته المفضلة بالأساس، وإن كنت صاحب آخر دور كان يرفض الأهل -مهما توسلت- أن يتركوا الأتاري مفتوحاً حتى الغد لاستكمل ما توصلت إليه صباحاً.
ومرت السنون واشترينا كمبيوتر، أسوأ ما في الأتاري كان عدم القدرة على التحكم في دواخله، كنت ألعب ألعاباً غير قادر على إمساكها والتعديل في خصائصها، والعجيب أن الإخوة يتعاملون مع الكمبيوتر كما كانوا يفعلون مع الأتاري؛ يلعبون مباراة تلو الأخرى ولا يفكر أحدهم أبداً في رفع طاقة لاعب ما أو إضافة فريق جديد، أما أنا فأحب أن اضبط الأشياء بطريقتي الخاصة، لا أن استخدمها كما هي. ولذا في الطفولة لم أسلِّم بطبيعة الأتاري المحدودة، وفي مرة جربت أن أغلق شاشة التلفاز فحسب تاركاً الأتاري مفتوحاً قبل النوم دون علم أحد، وكادت الخطة تنجح فأحدٌ لم يلاحظ وجود الفيشة في المقبس مساءً، لكن لاحظها آخر قبل أن استيقظ بدقائق!
دائماً ما كانت أمنياتي البسيطة جداً مستحيلة، ودون مبرر واضح، دائماً يكون لازم وحتماً ولا بد من فعل كذا، ولم أعرف أبداً ما وراء هذه الـكذا من حكمة! كأن يناديك أحد الأبوين آمراً بانتهاء اللعب في الشارع لأنه "كفاية كده"! أو أن يهدم أحدهما بيت الوسائد الذي قضيت يوماً كاملاً في بنائه أمام عينيك في لحظة! أو أن يقرر أحدهما فجأة وبينما أنت منهمك في فعل محبب أنك لست مجتهداً في دراستك بما يكفي! دائماً ما تتمخض فرحتي بشيء ما عن حسرة مقبضة، ينتهي الحلم فأنهار باكياً كأن العالم قد انتهى..
ولم أكن كبقية الأطفال أنسى بعد وقت وأنشغل بشيء آخر، بل كنت أبحث عن حلول، ولم أجد ابداً من يشاركني في ذلك، بل كان يتعجب إخوتي من تفكيري في حلول من الأساس! غريبون بحق؛ فبرغم أن بيس 2013 لعبتهم هم أيضاً إلا أنهم يكرهون تعديلاتي، وقد سألني أحدهم ذات مرة -على سبيل المزاح- عن رد فعلي إن عدت يوماً فوجدتُ اللعبة ممسوحة!! ما إن تذكرت ذلك الآن حتى قررت أن حفظ التعديلات وحده لا يكفي، وشرعتُ في حفظ نسخة احتياطية من اللعبة بالكامل في مكان خفي، متمنياً أن استطيع الانتهاء من نسخها قبل انتهاء دوري، وإلا فسأتركها في الخلفية دون أن أخبرهم، وعلى أن أتحمل تعليقات من يجلس عن ثقل الجهاز.
النهاية.