في السابع من أكتوبر 2023م شنت المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس هجوماً مسلحاً على إسرائيل، نتج عنه مقتل وأسر المئات من العسكريين والمدنيين الإسرائيليين، ما ترتب عليه إعلان إسرائيل الحرب على فلسطين، وبدأت ممارسة الإبادة الجماعية واستمرت حتى يومنا هذا.
* * *
في مصر أصعب ما يمكن أن نواجهه من كوارث هي الأمطار التي أصبحت غزيرة في السنوات الأخيرة بفعل التغير المناخي، وأحياناً ما تحدث هزات أرضية طفيفة ما نكاد نشعر بتأثيرها، ونحن والعالم كله شهدنا حدثاً مفزعاً وهو انتشار فيروس كورونا في عام 2019. حين تحدث أي من هذه الكوارث نتخبط ونضطرب، لا نعرف أين نذهب ومن أين نجيء، نعيش في حالة طوارئ، تعلق الدراسة وتفرغ الشوارع، فما بالك بأناس يعيشون في حالة طوارئ منذ أكثر من خمسة وسبعين عاماً، ويتعرضون للإبادة لعامين متواصلين، لا يتعرضون للسيول أو الهزات الأرضية أو الوباء، وإنما للقصف والنزوح القسري والتجويع.
لقد اختبرت بصفة شخصية شعور النزوح من منزل لآخر، وكثير منا فعل، إنه شعور مزعج بالغربة والوحشة، وعدم الاستقرار، وإنك لتشعر به رغم أن أنك تنزح بإرادتك، وتنزح إلى منزل آخر كثيراً ما يكون أفضل من الأول، فما بالك إن كنت تنزح بعد أن قصف منزلك الأول وبات ركاماً، ما بالك إن كنت تنزح إلى مكان غير معلوم، ما بالك إن وجدت نفسك فجأة بلا مأوى، ولا ملاذ، والموت يحيط بك من الجهات، والموت أخذ منك -أحياناً كثيرة- جميع أفراد عائلتك.
لقد اعتدنا المشاهد فلم نعد نشعر تجاهها كما يخلق بنا أن نفعل، لقد رأينا الكثير من الفلسطينيين وقد فقدوا أحد أفراد أسرتهم أو فقدوا الأسرة بالكامل، وبسبب التكرار لم نعد نفزع، ولكن إن فكرنا في كل فرد على حدى، كل فرد يفقد شخصاً عزيزاً عليه، كل أم تفقد ابنها، كل طفل يفقد أبيه، فسوف نكتشف أن كلاً منهم يعيش تجربة الفقد كاملة كأنها تحدث لأول مرة.
ما يحدث ضد الفلسطينيين لم يكن ليفعله هتلر ضد البشر لو انتصر في الحرب العالمية الثانية، لا مأوى، لا عائلة، لا طعام، ولا شراب، الخراب والقصف يحيطون بك من كل حدب وصوب. لا أعرف ما جدوى الكتابة، ولكن هي كل ما أملكه، فما إن تمر عليّ لحظة سعيدة حتى أشعر بالذنب، ما إن آكل أو أشرب أو أنام حتى أتفكر في أمر إخوتي في العرق والدين والإنسانية، وما يعيشونه من مأساة بكل معاني الكلمة، ما أقسى ما نرى من مشاهد لأطفال برزت عظامهم من سوء التغذية، إن التجويع أقسى من القصف، فالقصف يميتك في لحظة بينما التجويع يميتك كل لحظة، والإصابة أسوأ من الموت، خاصة بعد لجوء الأطباء لبتر الأطراف المصابة بسبب عدم وجود الموارد الطبيبة اللازمة للعلاج.
لا أعرف ما جدوى الكتابة، ولكنها صرخة نملة، علها تشفع لي أمام الله.