حكاية إكسسوارات الجوكر.. المسدس يشترك في البطولة

فيلم الجوكر 2019

يدور حول مضطرب عقلياً يحاول أن يكون مهرجاً كوميدياً مواجهاً اضطهاد المجتمع. وفي هذا المقال نتناول كيف كانت الإكسسوارت مستخدمة بشكل خلاق، أضاف للأحداث وساهم في دفعها للأمام، وفي التعبير عن مشاعر الشخصية.

اكسسوارات الجوكر 2019


لتجربة أفضل



الإكسسوارات

هي الأدوات والأشياء التي تستخدمها الشخصيات في المشهد، ويتوقف كون العنصر إكسسواراً أو لا على استخدامه داخل المشهد، أي أن الصورة المعلقة على الحائط لا تعتبر إكسسواراً إلا إذا قامت إحدى الشخصيات داخل المشهد بإمساكها، أو استخدامها بأي طريقة، حتى وإن كان عن طريق النظر إليها والحديث عنها. 

تلعب الإكسسوارات دوراً هاماً في السرد السينمائي، حيث إن السينما فن بصري بالأساس، وذلك يدفع كتاب السيناريو إلى الاعتماد على عناصر مرئية وملموسة للتعبير عن المشاعر والمفردات الدرامية، ففي الرواية مثلاً يستطيع الكاتب أن يقول إن البطل قد نسي حبيبته تماماً، بينما في السينما سيكتب السيناريست أن البطل أمسك بصورة حبيبته ومزقها في استهانة.


إكسسوار لافتة الجوكر 

نرى آرثر في بداية الفيلم يقوم بعمله كمهرج في أحد شوارع مدينة جوثام، يرقص ببراءة وعفوية ويؤدى حركاته بمساعدة لافتة صفراء، قبل أن يأتي صبية مشاكسون ويلتقطون منه اللافتة فيجرى ورائهم حتى يدخلونه في شارع جانبي ويبرحونه ضرباً. هنا استُخدِم الإكسسوار استخداماً درامياً، علاوة على أنه كان محور المشهد، فقد كانت اللافتة تحمل عبارة “Everything must go” فرغم حالة الحزن التي تشتمله، والتي تجلت في المشهد السابق لهذا المشهد، حيث كان يحاول إضحاك نفسه أمام المرأة بالقوة، إلا أنه يحاول التخفيف عن الناس بعبارته، ومن خلال عمله كمهرج. ومن ناحية أخرى فقد أدى اكسسوار اللافتة إلى تعرض الجوكر للضرب من قبل الصبية وكانت هذه أول أشكال الاضطهاد التي يتعرض لها البطل من قبل المجتمع. ومن ثم يتعرض للتوبيخ الحاد من صاحب العمل الذى اشتبه في أنه هو من سرق اللافتة، وقد استمع البطل لكلماته بابتسامة توارى خلفها آلاماً جسيمة، ومن ثم نراه يقف في مكان مهجور ويضرب الحائط بقدمه بعنف شديد، ثم يجلس القرفصاء ويبكى، كل هذه الأحداث والمعاني كان اكسسوار اللافتة خلفية لإبرازها. 


إكسسوار بطاقة شرح حالة الجوكر

نرى آرثر يستقل أتوبيساً يقوده للمنزل، وبينما هو غارق في كآبته ينظر من النافذة، يلتقطه من الكآبة طفل يجلس في المقعد المقابل له، فيحاول آرثر أن يضحكه، لكن والدة الطفل تلاحظ ذلك، وتتهمه بأنه يزعج أبنها، وتوبخه، فيبدأ آرثر في الضحك بشكل هستيري يلفت أنظار الجميع، ويثير غضب والدة الطفل، فيعتذر لها ويناولها بطاقة مكتوب عليها شرح حالته. استخدم الاكسسوار هنا لتعريف المُشاهد أولاً بسبب ضحكه الهستيري.


إكسسوار كراسة الجوكر

نرى آرثر يجلس عارياً ويكتب في كراسة مذكراته: "أسوأ ما في الإصابة بمرض عقلي هو انتظار الناس أن تتصرف وكأنك لست مصاباً"، هنا استخدم الإكسسوار للتعبير عن شعور الشخصية تجاه مرضها.

ونراه في مشهد آخر مع الدكتورة النفسية تقرأ في مذكراته: "يا ليت موتى يكون منطقياً مربحاً أكثر من حياتي"، وهنا عكس الإكسسوار حالة الشخصية وموقفها تجاه نفسها، لكن الأهم من ذلك هو ابراز الإكسسوار لطبيعة الدكتورة المتبلدة، فهي لا تفهمه ولا تنصت لكلماته،  وما إن قرأت هذه الكلمات في مذكراته حتى هاجمته وعابت عليه، إنها تقوم بعملها بشكل روتيني إلى أقصى حد، ما يدفعه لمهاجمتها في احد المشاهد بكلماته: "تواصلين طرح الأسئلة عينها كل أسبوع، كيف حال عملك؟ هل تراودك افكار سلبية؟ لا تراودني سوى افكار سلبية، لكنك لا تنصتين إلى على الاطلاق"، كل ذلك كان الإكسسوار دافعاً لظهوره.

واستُخدِم إكسسوار الكراسة مرة أخرى في مشهد قتل موري، بعد دخول الجوكر المميز إلى البرنامج وبداية حواره مع مورى، يطلب منه مورى أن يلقى نكاته على الحاضرين، فيخرج الجوكر من جيبه كراسة الخواطر والنكات، فيستغل مورى الموقف ويستهزئ به، ويبتلع الجوكر الاستهزاء، ويشرع في إلقاء نكتته، لكن مورى يقاطعه مستهزئاً غير مرة. ويكمل الجوكر بلا مبالاة ويقول النكتة "دعس سائق مخمور ابنك، لقد مات"، ويضحك الجوكر بينما ينزعج الناس، ويعلق مورى أن هذا ليس مضحكاً، فيبدأ الجوكر في التحدث حول الأوضاع التي تمر بها المدينة، ويعترف أنه من قتل الثلاثة رجال في قطار الأنفاق. استُخدِم اكسسوار الكراسة هنا في توضيح سخافة مورى غير المتوقعة، وتجلي نواياه تجاه آرثر؛ فقد استضافه ليستهزئ به ليس إلا، ونقرأ أيضاً في الكراسة جملة الجوكر التي كتبها من قبل "يا ليت موتى يكون منطقياً أكثر من حياتي"، فيتأسى الجوكر، بينما يضحك مورى مستهزئاً بصمته: "خذ وقتك معنا الليلة بطولها"، كانت الكراسة إكسسواراً مهماً فضح من خلاله موقف مورى، وأشعل الشرارة الأولى في حوار الجوكر الأخير، الذى سيتطور حتى يقتل مورى أمام الناس على الهواء. 


إكسسوار خطاب أم الجوكر لتوماس وين

في مرة من المرات يغلب البطل الفضول، ويقرر قراءة أحد الخطابات التي ترسلها أمه إلى توماس وين، فيكتشف من الخطاب أنه والده وينكر نسبه حسب زعم الأم. هنا كان إكسسوار الخطاب سبباً في صدمة كبيرة لآرثر والمشاهدين، وترتب عليه دخول آرثر في صراع جديد محاولاً معرفة الحقيقة، وتعرض للعنف والضرب من قبل توماس وين الذى اتهم أمه بالجنون. 


إكسسوار ملف أم الجوكر في المستشفى

بعد صراع آرثر مع توماس وين قرر الذهاب للمصحة التي كانت بها أمه كي يعرف تفاصيل حالتها، فرفض الموظف إعطائه الأوراق، ما أثار جنون آرثر وفضوله فسحب الأوراق من يد الموظف عنوة، واتجه إلى مكان غير مرئي وقرأها، ليكتشف أن أنه متبنى لامرأة مريضة نفسية وأنها ليست أمه. إكسسوار الملف هنا أنهى صراع الجوكر ضد توماس وين، وأثبت صحة كلام الأخير، لكنه أدخل البطل في صراع مع من أدعت أنها أمه طوال هذه السنين، وتسببت أيضاً في حالته المرضية الغريبة، نتيجة ضربها له، وكانت هذه بمثابة الضربة الأقوى التي تعرض لها الجوكر طوال الفيلم، فدخل في نوبة ضحك هيستيرية. لقد كشف الاكسسوار حقيقة مرض أمه وأنها ليست أمه بالإضافة إلى معرفة البطل سبب مرضه العقلي. 

(أقرأ: تحليل شخصية آرثر فليك وعلاقة المرض العقلي بالنفسي)


إكسسوار الوسادة التي قتل بها الجوكر أمه

تجنب آرثر العتاب واللوم الذى لن يغير في الأمر شيء، وقام بمنتهى الهدوء، سحب الوسادة من أسفل رأس الأم، ووضعها على وجهها كاتماً أنفاسها حتى ماتت. هنا استُخدِم إكسسوار الوسادة كأداة للجريمة، بالإضافة إلى دلالته على تحول الشخصية بشكل كبير، ووصولها لمرحلة صعبة من اليأس والغضب، فهو لم يتردد ولم يهتز، إنما ضغط بكل قوته على الوسادة في قوة وتصميم.


إكسسوار المقص الذي قتل به الجوكر زميله

بعدما قتل آرثر أمه يظهر في منزله وهو يستعد للظهور في برنامج مورى فرانكلين، ثم يرن جرس الباب فيضع مقصاً في جيبه دون تفكير، وقبل أن يعرف من بالباب، وكأنه عقد العزم على حصد أي روح تتعرض له بأي شكل من الأشكال. ويفتح الجوكر الباب فيدخل راندل ومعه زميلهما القزم، ويتحدث مع آرثر حول جرائم القتل التي حدثت، ويهدده بشكل غير مباشر بشأن المسدس الذى كان معه، وأنه مشتبه به في هذه الجريمة. يضحك الجوكر باستهزاء ثم يقترب من راندل، ويزرع مقصه بحركة مفاجأة في رقبته ثم في عينه، ويشرع في ضرب رأسه بالحائط بعنف مبالغ فيه حتى يزهق روحه، ثم يجلس في هدوء ويحدث زميلهما الآخر عن ظهوره في التليفزيون!

تواصل الإكسسوارت مساهمتها في توضيح تطور الشخصية، والحالة التي وصلت إليها، فنرى هنا غضب عارم ممزوج بلامبالاة عجيبة، فقد زرع المقص في رقبة زميله وفقأ عينه، ثم جلس بجواره ملطخاً بالدماء، وأخذ يضحك ويتحدث كأنما قتل عصفوراً. وبالرغم من مرحلة العنف هذه التي وصل آرثر إليها، إلا أنه مازال يحمل في قلبه بقايا من الطيبة، فقد رفض إيذاء القزم، وذكر له أنه الوحيد الذى عامله بلطف.


إكسسوار قناع الجوكر

بينما كان الجوكر في موعد غرامي مع جارته، شاهد رجلاً في سيارة أجرة يرتدي قناعه، وابتسم لمّا شعر أنه موجود ومؤثر، بغض النظر عما إذا كان المحتجون يفهمون قضيته بشكل خاطئ، وهنا كان استخدام الإكسسوار هو الباعث على شعور الجوكر بأنه مرئي، كما أنه استخدمه في مشهد لاحق للهرب من مطاردة الشرطة.


إكسسوار مسدس الجوكر

كان إكسسوار المسدس هو الإكسسوار الأهم في فيلم الجوكر، فقد استُخدِم في العديد من المشاهد، وأثَّر في تتابع الأحداث أشد الأثر. ظهر مسدس الجوكر بعدما سرقت اللافتة من آرثر عندما أعطاه له راندل، متظاهراً بأنه يريد مساعدته كي يدافع عن نفسه، ابتسم آرثر حينها ورفض أخذه، وهذا يبين التحول في شخصية الجوكر من بداية الفيلم عن النهاية؛ إذ انه كان يملك سلاماً ورقة تمنعه من استخدام مثل هذه الأشياء أو حتى حملها. ورأينا آرثر بعدما أخذ المسدس في بداية الفيلم يرقص في بيته ويحدث نفسه ممسكاً المسدس، بينما يؤدى بعض الحركات الاستعراضية البسيطة، ثم يضرب طلقة من المسدس في الحائط عن طريق الخطأ، فتسمع أمه الصوت فيخبرها أنه صوت التلفاز. استُخدٍم المسدس هنا إلى جوار تصرفات الجوكر بمفرده لإبراز حالة التوحد ونزعة الجنون التي يعيشها، فقد هيأ الجوكر لنفسه أن رقصه يعجب أحدهم، وتحدث إلى نفسه ورد عليها، مؤدياً الحوار بشكل درامي مقنع، لدرجة أنه أطلق رصاصة من المسدس من فرط الاندماج في التمثيل، ثم أرتعد وسقط أرضاً عند سماع صوت الرصاصة، مازالت شخصية آرثر لا يناسبها حمل السلاح ولا تجيد التعامل معه. 

وبتتابع الأحداث نرى مشهداً لآرثر وهو يؤدى عمله كمهرج في إحدى مستشفيات الأطفال، وأثناء اندماجه في تقديم عرضه يسقط المسدس منه على الأرض ويراه الأطفال، ومن ثم يصل الخبر إلى صاحب العمل، ويخبره بأن راندل قال أنه طلب منه المسدس، فيترتب على ذلك طرد الجوكر من العمل. كشف لنا إكسسوار المسدس طبيعة شخصية راندل وكرهه لآرثر، كما كشف لنا أيضاً سذاجة آرثر؛ فلم عساه يحمل السلاح معه إلى مستشفى الأطفال؟ أو ربما نسى يتركه في مكان آخر، أو نسى أن المسدس معه من الأساس، وهذا إن دل فإنما يدل على عدم اكتراث الجوكر بالمسدس ولا لحمله، على عكس ما سيحدث بعد ذلك. 

وبعد أن يطرد من العمل، نراه يجلس في قطار الانفاق وحيداً، قبل أن يتابع ثلاثة رجال يضايقون فتاة تجلس في القطار، فينفجر ضحكاً بعكس حالته المزاجية، ويحاول كبح الضحك لكن يفشل، فيتوجه الرجال الثلاثة إليه ويسخرون منه، ومن ثم يبدئون في ضربه بعنف، فلا يجد حلاً سوى أن يخرج المسدس من جيبه ويقتل الثلاثة واحدة تلو الآخر. نرى هنا تضخم مفاجئ للجوكر بعدما كان ضعيفاً يراقبهم وهم يسخرون منه ويسرقون أغراضه ولا يملك أن يمنعهم، تحول فجأة وقتلهم جميعاً، وقام بمطاردة الرجل الثالث إلى خارج القطار وقتله بثلاث رصاصات، هنا بزغت شخصية الجوكر وحالة الثورة التي وصل إليها، نتيجة لما تعرض له على مدار الفيلم من اضطهاد وظلم. وكان إكسسوار المسدس هنا أداة القتل وأداة التحول، التي اتجهت بالأحداث اتجاهاً جديداً، وكانت سبباً في راحة الجوكر وتحسن حالته، فقد بدا ذلك واضحاً عندما اختبئ في مرحاض في الشارع، فوجد نفسه يرقص لا ارادياً، للدلالة على الشعور بالظفر والقوة، وأكد هذه المعلومة المشهد التالي عندما ذهب الجوكر لجارته واقتحم شقتها مقبِّلاً إياها.

وقرب نهاية الفيلم نرى الجوكر يشغل حلقة من حلقات برنامج مورى على التلفاز ويقلد الضيف، ويجلس ويتصرف كما لو كان هو الضيف، ثم يخرج المسدس ويؤدى به موقفاً كوميدياً ينتحر في نهايته باستخدام المسدس، ليستمر هذا الإكسسوار في الدلالة على حالة التطرف والجنون التي وصلت إليها الشخصية، ويتكرر ذلك بعد لقاء موري لأول مرة في غرفة المكياج.

كما كان إكسسوار المسدس آخر الإكسسوارات استخداماً لمّا قتل به الجوكر موري على الهواء، وكان ذلك آخر تطور وصلت إليه شخصية الجوكر، بعد صراع طويل مع هذا الجنون المجتمعي الذى واجهه، فلم يجد الجوكر حلاً سوى الجنون، كي يتأقلم مع البيئة المحيطة، وقد وجد في ذلك راحة نفسية كبيرة وتقديراً من الأخرين، وشعر الجوكر أخيراً أن له قيمة، أو كما قال للمعالجة النفسية -بعد قتله الثلاث رجال في قطار الأنفاق- "طوال حياتي لم أشعر أنى موجود أصلاً لكن هذا يحدث الآن، والناس بدأوا يلاحظون وجودي".


تم.

أكتب لنا رأيك في التعليقات، وشارك المقال ليصل للمزيد من الأشخاص.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال