كلاب الشارع - قصة قصيرة

* * *

كلاب الشارع - قصة قصيرة
تصوير: إسراء خلف الله

* * *

دلفتُ الزقاق الذي أسكن فيه فجراً، سرتْ نسمة باردة على خدي، وأحاطت جسدي إضاءة المصباح الصفراء الهزيلة، التي لم تسعفني لأتبين المعالم أمامي بدقة، كان عددٌ من كلاب الشارع متناثرين على تراب الأرض، بعضهم يغط في نوم ليس بعميق، فكلاب الشارع لا تعرف النوم العميق، والبعض الآخر كان يختلس الخلو لرفيقته مستغلاً سكون الليل، فالبشر يجن جنونهم إذا ما رأوا كلباً يضاجع أخرى، رأيت رجلاً ذات مرة يلقي كرسياً خشبياً على كلب اعتلى ظهر كلبة قائلاً: "بلاش نجاسة"! صرخ الكلب صرخة ألم رفيعة هزت وجداني. لعلي سأتسبب بحركتي حولهم الآن في إزعاجهم، فيتوكد لديهم رفض البشر لحميميتهم، وددتُ لو لم أفعل أبداً لكن ما بيدي حيلة، شعروا بوجودي، فاعتدل المتداعبون وأقبلوا نحوي في هجوم وتحفز، أخذ أحدهم يعوي، ورفع فمه لأعلي أثناء العوي على سبيل التأكيد.

لأني أخوض الكثير من الجدالات يكاد يُصوِّر لي عقلي أن أتفاهم معهم بالحكمة، أن أشرح لهم أن عودتي متأخراً لا تعني بالضرورة أني مصدر خطورة، أن أتكلم معهم عن حقي في التواجد في الشارع متى أشاء، ولكنهم لن يفهموا الكلام، كان يكفي أن أمشي في ثقة غير متخوفاً، بل متجاهلاً عوائهم حتى أصل لباب بيتي، على أن أتوقف لأردع أحدهم إذا تجاوز حدوده، ولكن المجادل الجيد من يستطيع أن يتواصل مع كل المخلوقات، فالتواصل غير مقتصر على الكلام فقط، وخاصة وأني أحب الكلاب، وأسبر ما في أغوارهم من محبة تتوارى خلف شراسة زائفة، يحمون بها أنفسهم من التهديد. وقفت مكاني في تسليم حتى يهدئوا، قبل أن أجلس القرفصاء في هدوء وثقة، استشعروهما فتوقف عويهم. واقترب قائدهم لمّا مددتُ له يدي، وسرعان ما تذكرته، لقد ألقيت له الطعام ليلة أمس من النافذة وقررت أن أسمّيه عزوز، ولكنه لم يقترب مني ولم يكن يعرف رائحتي ليميزها. ولقد تابعتُه أثناء الليل حين كان يدافع عن محبوبته الآتية من منقطة أخرى، تلك التي كان يداعبها قبل لحظات، يبدو أنه نجح آخر الأمر في إجبار الكلاب على تقبل وجودها معهم.

داعبت رقبته، فتآلفنا، وكاد يوقعني على الأرض محاولاً الوقوف على ركبتي بأرجله الأمامية، اقتربت من محبوبته لنتعرف، واخترت لها اسم مديحة. أصر عزوز على توصيلي حتى باب العمارة، وكاد يهتك عرض كلب حام حولي أثناء المسير، الكلاب لما تحب.


النهاية

جميع نصوص هذه المدونة مسجلة لدى إدارة حقوق المؤلف
ويحظر نشرها أو استخدامها دون إذن كتابي صريح من مؤلفها.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال