النظرية الواقعية للناقد السينمائي الفرنسي أندريه بازان
ويعتمد استخراج نظريات الفيلم السينمائي حسب كتاب نظريات الفيلم الكبرى تأليف دادلي أندرو على أربعة رءوس للنظرية: المادة الخام في السينما وطريقة معالجتها، والشكل الناتج عن المعالجة والغرض من السينما كفن.
في ظل سيادة نظرية الفيلم الشكلية، كان تيار نظرية الفيلم الواقعية تحتياً، وأول من نادى به لوي فيلارد عام 1913م حين أعلن أن أفلامه تصور الحياة كما هي، وأعلن المخرج دزيجا فيرتوف عن الواقعية المطلقة لعين الكاميرا، لينافس المنظرين بودوفكين والروسي سيرجي أيزنشتاين رائدي الشكلية.
(أقرأ نظرية أيزنشتاين الشكلية)
كان دزيجا فيرتوف يعتقد أن النظرية الشكلية مخدرٌ تقود الجمهور للنوم، فجاءت النظرية الواقعية مرتبطة بإحساس الوظيفة الاجتماعية للفن عامة، ولفن السينما بصفة خاصة، ومن أهم رواد النظرية الواقعية المنظر والناقد السينمائي الفرنسي أندريه بازان André-Bazin، كانت رسالة بازان أن يجعل الإنسانية في انسجام مع الواقع عن طريق السينما. طالب بازان ببناء نظرية اعتماداً على القوة الخالصة للصورة المسجلة ميكانيكياً، أكثر من الاعتماد على القوة المدروسة للسيطرة الفنية على تلك الصور، وطريقة أندريه بازان أن يشاهد فيلماً، ثم يقدر طريقة صانع الفيلم، ويضعه في نوعية معينة من نوعيات الأفلام، ويشكل بازان قوانين كل نوعية من الأفلام المشابهة لبعضها.
المادة الخام للسينما عند أندريه بازان
رأى بازان أن المادة الخام هي مشفوفات أو بصمات الواقع على لوح السيليلويد، حيث تصور كاميرا الفيلم السينمائي الأشياء من الواقع آلياً، وبرغم ذلك فإن تأثيرها على المُشاهد سيكولوجياً يبقى؛ لأن الصور ترتبط بالأصل فندرك معناها، وتحدث فينا تقريباً نفس تأثير الشيء الأصلي المصور، ونلاحظ إذا أدخل عليها أي تعديل غير واقعي، وحينها يضيع الدافع السيكولوجي، لذلك كان أندريه بازان مؤيداً للصوت واللون، حيث رأى بازان إنهما يزيدان المشفوفات واقعية.
التقنية (الأسلوب) عند أندريه بازان
تجريد الواقع أو إعادة صياغته، أي استخدام صوراً من الواقع التجريبي، وتحويلها إلى علامات تجريدية تنقل أفكاراً معينة، وقد يكون رفض الأسلوب في حد ذاته هو اختيار أسلوبي محتمل.
الفرق بين السينما والمسرح في رأي أندريه بازان
الحاجة السيكولوجية للسينما هي تصوير الطبيعة، فمُشاهد المسرح يشاهد طقوساً، إنما مُشاهد السينما يذهب لنافذة أحلامه، كما أن قوة المسرح جاذبة للمركز كالفراشة التي يجذبها الضوء، بينما السينما طاردة تبعث بالاهتمام للخارج، فتأخذ المشاهد من خلال الشاشة لتريه جزءاً من الدنيا الخارجية. وقد رأى أندري بازان أن تصوير وعرض المسرحية كفيلم أفضل من تحويلها إلى فيلم سينمائي مؤسلب، حيث أنه إذا كان الغرض هو الاحتفاظ بالواقع الخاص للمسرحية الأصلية، فيجب على السينما ألا تستخدم تقنياتها، وتسمح للأصل بأن يلمع بأكبر قدر من النقاء.
الشكل (النوع) الفيلمي عند أندريه بازان
الشكل هو ما يحدد المغزى، قال أﻧﺪرﻳﻪ بازان إن المعنى نتيجة الأسلوب (التقنية)، والمغزى نتيجة الشكل، أي أن تقنية معالجة المادة الخام (الأسلوب) اختيار اللقطة القريبة مثلاً يحدد المعنى المراد من اللقطة، وتتابع الأساليب هو ما يحدد الشكل الفيلمي ككل. وقال بازان إن رؤية الفنان يؤكدها اختياره لما ينقله من الواقع، وليس تغييره لشكل الواقع. ورأى بازان أن استخدام أساليب تجريدية لمعالجة مادة خام واقعية، ينتج واقع معاد صياغته لتوصيل مغزى معين، وذلك من خلال تشكيل العناصر داخل الكادر، ثم توليف اللقطات بإيقاع وترتيب معينين، أي المونتاج. حيث يتم تجريد الحدث إلى عدد من اللقطات لإحداث تأثير درامي معين، أو تجزئته على حسب التغير في الاهتمام، كأنها عين المشاهد داخل الحدث، فيعكس الفيلم العملية الإدراكية، لدرجة أنه لا يلاحظ المشاهد تفتيت الزمان والمكان. وإذا قدم الصانع الزمان والمكان الإدراكيين بأمانة مطلقة، ستكون الرواية غامضة بسبب تعدد التوريات، لذلك ينبغي إعادة صياغتهما حسب نظام محدد، أما إذا كان غرض الفيلم بالأساس نقل البناء المتداخل للواقع المادي، فلابد أن يتجنب صانع الفيلم التقنيات التي تستلزم وحدة معنى الحدث الدرامي، كاستخدام اللقطات الواسعة، التي تكون مناسبة لبعض الأحداث، وفي اللقطات الواسعة نوه بازان على ضرورة الاهتمام بعناصر الكادر: الميزانسين.
الغرض من السينما في رأي بازان
يرى أندريه بازان أن السينما تعرفنا بالواقع التجريبي غير المتاح بطريقة أخرى، أي اكتشاف الدنيا عن طريق السينما.
تم.
أكتب لنا رأيك في التعليقات، وشارك المقال ليصل للمزيد من الأشخاص.