القراءة.. كما عرفتها

في هذا المقال أتحدث عن القراءة في حياتي، كيف كانت وكيف أثرت، كمية الكتب التي أقرأ مقابل استفادتي منها، رؤيتي لأسعار الكتب وتجربتي مع القراء، أهم الكتب التي قرأت في حياتي، وأجمل الاقتباسات.

القراءة كما عرفتها


اختلاف القراءة عن المشاهدة

من المعروف أن المشاهدة أسهل من القراءة، نظراً لما تتطلبه القراءة من تركيز في معانى الكلمات وتخيلها، بينما توفر المشاهدة على المتلقي عناء التخيل، وتترك له فقط التفكير فيما يتلقى بعينيه وحواسه. وذلك يميز المشاهدة عن القراءة، وفي الوقت ذاته يميز القراءة عن المشاهدة، فإذا كانت المشاهدة عملية أكثر سهولة من عملية القراءة، فإن صعوبة القراءة تمنح القارئ استفادة أكبر من الممنوحة للمشاهد، حيث يتعين عليه بذل مجهود أكبر في التركيز والتخيل. 

كما أن عملية القراءة عملية مملة إلى حد ما، خاصة حين يتسم أسلوب الكاتب بالتفكك وعدم التسلسل، وبصفة شخصية لست ممن يمنحون الكاتب فرصاً كثيرة، إذا ما كان أسلوبه غير مشوق، إلا فيما ندر. في الماضي حيث كنت مبتدئاً في القراءة كنت أفعل، فقد كنت أكتشف هذا العالم، ولكن ما إن ثبتت أقدامي فيه -إلى حد ما- حتى بت ضجراً ملولاً، أبدأ قراءة الكثير من الكتب ولا أنهيها.


القراءة.. الكمية والاستفادة

وعلى ذكر تركي لبعض الكتب دون الانتهاء منها، إنني لا أشعر بالذنب ولا الخجل من جزعي، فلست أهتم كثيراً بكمية الكتب التي أقرأها على مدار العام، مثلما يفعل غالبية القراء. ولست أقول إن الاهتمام بعادة القراءة أمر سيء، ولست أحبذ عدم السعي إلى زيادة كثافة القراءة، ولكني فقط لست أنظر إلى القراءة من هذا المنظور. لا يهمني كمية الكتب التي أقرأ، قد أستغرق كثيراً في قراءة كتاب واحد، هذا لأني أتوقف عند كل جزئية بما يكفي لاستيعابها كما ينبغي، قبل أن أعيد النظر فيما يتعلق بما قرأت في حياتي. ما يجعلني لا أجد عيباً في أن أقرأ أقل، ما دامت الاستفادة أضعاف الأضعاف، وما يجعلني من ناحية أخرى -كما ذكرت سابقاً- أتوقف عن قراءة بعض الكتب وأتركها دون رجعة، بينما أقرر أن أحتفظ ببعض الكتب حتى الممات! كما أني لست أقف عند نهاية كل عام وأحصي الكتب التي قرأت، قد أقرأ خلال العام خمسة كتب فقط، ولكن كل كتاب منهم ترك في نفسي ما لن أنساه أبداً، حتى أني أذكر جيداً أحداث الكثير من الروايات، وأذكر محتوى بعض الكتب التي قرأت منذ زمن.


القراءة.. قيمة الكتاب وسعره

ولأن الكتب تبقى حية بداخلي ما حييت، لا أشعر أبداً أن سعر الكتاب مهما كان مرتفعاً غير مستحق، كثير ممن يعرفونني يعتقدون أني على درجة من الغنى المادي، بسبب اهتمامي الدائم بشراء الكتب الأصلية باهظة الثمن. وفي الحقيقة إني لأتعجب ممن يرفضون دفع مائتي أو ثلاثمائة جنيهاً مقابل كتاب، ويرضون أن يدفعوا المبلغ نفسه -بل أكثر منه أحياناً- في مطعم فاخر مقابل وجبة! إن الوجبة ستنتهي بعد نصف ساعة، لكن الكتاب قد تستغرق في قراءته أسبوعاً، كما أن أثر الوجبة لا يقارن بأثر الكتاب -إن كان جيداً. 

ولقد صُدمت مؤخراً حين قررت بيع بعض الكتب من مكتبتي الخاصة، بعضها قررت أن أتوقف عن قراءته بسبب ما ذكرت مسبقاً، والبعض الآخر أنهيته، ولكن لم يحدث فيَّ الأثر المرتجى، أو الأثر الذي يدفعني لأن أحتفظ به. وكنت متوقعاً أن الأسعار التي سأطلبها مقابل كتبي -الأصلية ذات الحالة الممتازة نظراً لقدرتي على الحفاظ على الكتب- ستدفع القراء للإقبال على الشراء، ولكني فوجئت أن الناس يرفضون دفع خمسين أو مئة جنيهاً مقابل كتاب، يرفضون أن يدفعوا أكثر من ثلاثين جنيهاً مقابل أي كتاب. ما دفعني لبيع الكتب بأسعار أقل بكثير مما كانت تستحق، بسبب احتياجي لشراء كتب أخرى، بعد موجات التعويم المتتالية، التي ارتفعت معها أسعار الكتب حتى لامست السحاب، وقد أسعفني إيماني بأن قيمة الكتاب -إن كان جيداً- أكبر بكثير من سعره مهما كان مرتفعاً. ما دفعني ما ناحية لبيع الكتب بسعر رمزي، ودفعني من ناحية أخرى لشراء كتب أخرى أصلية بسعر مرتفع، دون حزن على الخسارة في سعر القديم، ودون تخوف من الدفع للجديد، ولكن هذا علمني أن أعتني جيداً بالبحث والقراءة عن الكتاب قبل شرائه، للتأكد من جودة محتواه.


القراءة.. أهم ما قرأت في حياتي

من أهم الكتب التي قرأت هو أول كتاب قرأته بالكامل في حياتي، وكان رواية موسم صيد الغزلان للكاتب أحمد مراد، كانت نسخة صوتية بصوت إسلام عادل، أذكر أني استمعت إليها بالكامل من منتصف الليل حتى الصباح، ولم يمر يوم حتى قررت أن أكون كاتباً، لقد لامستني الرواية لحد لا يوصف. وثاني أهم كتاب قرأته هو كتاب ذكر شرقي منقرض للكاتب الدكتور محمد طه، أثّر الكتاب في تفكيري إلى حد بعيد جداً، وساعدني في فهم الكثير عن نفسي وعمن حولي، ودفعني لإعادة النظر في الكثير من الأمور. وثالث وآخر أهم كتاب قرأته هو كتاب كنت رئيساً لمصر للرئيس محمد نجيب رحمه الله، أسرني صدقه، وتعاطفت معه لأقصى درجة، خاصة لما وجدت في سمات شخصه من تشابه مع سمات شخصي. وأذكر أني قرأت حوالي ثلثي الكتاب ثم توقفت عند الجزء الذي قرر فيه نجيب هو الآخر أن يتوقف عن سرد تفاصيل الخصومة مع عبد الناصر، ويتحدث عن موضوع آخر، وكأنني تأثرت معه بما يحكي، وتوقفت تماماً عند الجزء الذي توقف هو عنده، ولكنه توقف فحكى عن أحداث أخرى، أما أنا فتوقفت تماماً عن قراءة الكتاب من فرط التأثر، وعاودت استكماله لاحقاً.

(اقرأ: موسم صيد الغزلان.. الأنثى محوراً للقصة)


القراءة.. أجمل اقتباسات قرأتها

"لا عبور إلى النجاة في السبل التي نألفها".. ريم بسيوني. "من لا تتخبطه التساؤلات يسير إلى الموت كما تسير الخراف إلى الذبح".. أحمد مراد. "كل ما أقدمت عليه في حياتي كان بهدف إدراك الذات، حتى أرى الإله وجهاً لوجه".. غاندي. "يلزمنا قدر من الجنون، نلقى به عالمنا المجنون".. نجيب محفوظ. "إن القراءة تمنح المرء الشعور بالتعاطف والقربى تجاه الإنسان على مر العصور، وعلى النقيض يفقد الإنسان إحساسه بالحياة، حين لا يشعر بأن هناك شيئاً سامياً وراء كل ما يريده ويسعى إلى تحقيقه".. هيلين كيلر.

(اقرأ: غاندي مقاوم العنصرية.. كيف أمكن اختصار حياته في فيلم واحد)


تم.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال