الشخصية الدرامية كيف تبنى؟ وكيف ترصد؟
هناك العديد من الطرق لرسم الشخصية الدرامية، وكذلك الكثير من طرق رصدها وتحليلها، ولكن أفضل الطرق وأسهلها هي تحديد هدف الشخصية، واحتياجها، وقصتها من الماضي.
ويكون الهدف ببساطة هو ما تسعى وراءه الشخصية الدرامية في رحلة قصتها، واحتياجها يكون الدافع الداخلي وراء هدفها، أما قصتها من الماضي فهي المحرك النفسي الداخلي للشخصية.
وقد تتصالح الشخصية الدرامية مع جرحها إن حصلت على احتياجها في نهاية الرحلة في حالة إذا كان البطل تقليدياً، أو لا تتصالح وتزداد الأمور تعقيداً إن كان البطل سلبي.
(اقرأ: قلب الليل.. كيف تكون بطل سلبي؟)

عن رواية موسم صيد الغزلان
موسم صيد الغزلان هي الرواية السادسة للكاتب المعاصر أحمد مراد، صدرت عن دار الشروق 2017م، تدور في مستقبل قريب حول نديم، وهو عالم ملحد يعاني فتوراً في علاقته مع زوجته خاصة وأنه في منتصف العمر.
يلتقي نديم بسيدة -أو غزالة- متزوجة ويسعى لصيدها، فيقبل خوض تجربة استرجاع الحيوات السابقة التي يديرها زوج السيدة، فهل سينجح نديم في صيد الغزالة حمراء الشعر؟ وكيف ستؤثر هذه التجربة على رؤيته للإله؟
(اقرأ: كيف تكتب لوج لاين؟ شخصية وحدث وسؤالين)
هدف بطل موسم صيد الغزلان
تبدأ موسم صيد الغزلان بأن يحلم نديم بسيدة غجرية حمراء الشعر، بعد انقطاع الأحلام عنه لفترة كبيرة، وفي اليوم التالي يفاجئ بالسيدة ذاتها بين حضور محاضرته عن الإله، ما يدفعه إلى السعي وراء صيدها، خاصة وأنه يستشعر رغبة محمومة وغير مبررة في مضاجعتها.
وبمرور الأحداث نكتشف السبب وراء تلك الرغبة الحامية في هذه السيدة تحديداً، وهي أن نديم قد قابل شبيهتها في حياة سابقة، ولكن الأهم هنا هو تركيز أحمد مراد على أن تكون الأنثى هي محركة أحداث موسم صيد الغزلان، فهي هدف البطل وسنوضح فيما يلي كيف أن الأنثى كذلك هي الحاجة والجرح من الماضي.
محاولات بطل موسم صيد الغزلان الإيقاع بفريسته
يستخدم بطل موسم صيد الغزلان الإيقاع ما سماه أحمد مراد بنظريات صيد الغزلان، وهي عبارة عن تقنيات وحيل معينة يمارسها الذكر للإيقاع بالغزالة المرادة، مثل أن يقتحم حدودها بلا سابق إنذار، ومثل أن يعلق على عيب فيها كي تنثني رقبتها قليلاً، وعلى التوازي نرى علاقته نديم شديدة الفتور مع زوجته، وأحلامه المتعلقة بأمه.
ومن خلال هذه الأطر يكشف لنا أحمد مراد عن رؤية الذكر الشرقي للأنثى، ففي أولى مراحل التجربة تراود نديم أحلام غريبة تدور حول أمه، فيرى نفسه يضاجع زوجته مريم، ويراها تتحول أثناء المضاجعة إلى أمه!
ما يلفت إلى أوديبية واضحة لدى شخصية بطل موسم صيد الغزلان، فمعظم الذكور الشرقيين وخاصة في مجتمعنا المصري يتجمدون نفسياً عند مرحلة الطفولة، وخاصة المرحلة الأوديبية، وذلك بسبب تمحور حياة الأم من حول الابن، وبخاصة الذكر، ومعاملته كما لو كان نصف إله.
وبسبب غيرة الأب من الابن فيما يتعلق بزوجته، يتعامل هذه الطفل مع مشاعره الأوديبية تجاه الأم بحساسية شديدة، تدفعه دفعاً محموماً لتملك الأنثى التي سيتزوج منها.
ويتعمد الذكر أن تكون هذه الأنثى مشابهة لأمه من حيث الأمومة والعطاء، ما يتعارض مع الأنوثة والشهوة، وذلك ما يدفع الذكر الشرقي للبحث عن أنثى أخرى، تحقق له الشهوة التي لم يجدها في الأم التي أختارها زوجةً له.
وكلما كانت الأنثى -سواء من يتزوج منها أو من يشتهيها- ممنوعة كلما ازدادت رغبته فيها، حتى يداوي جرح العقدة الأوديبية بداخله، ما دفع بطل موسم صيد الغزلان في حياة سابقة لأن ينتزع زوجته من خطيبها طارق، الذي يلعب دور الخصم في هذه الحياة، حيث يدير طارق التجربة وقد خطط مسبقاً لكل ذلك كي ينتقم من نديم.
(اقرأ: مراجعة وتقييم رواية موسم صيد الغزلان)
بطل موسم صيد الغزلان والشيطان
وعلى التوازي يحضر نديم لمحاضرته القادمة عن الشيطان، فيحكي من خلالها رؤيته لقصة خروج آدم من الجنة، وكيف كان للأنثى دور محوري في إقناعه بالأكل من الشجرة.
ونجد أن بطل موسم صيد الغزلان وكأنه يلعب دور الشيطان في هجومه على الإله، حيث يحاول إقناع طلابه بالثورة عليه، وقد وجد في الشيطان شخصية مشابهة له، وخاصة فيما يخص الأوديبية، حيث إن الشيطان رأى نفسه أفضل من الإنسان، ودائماً ما تغذي فكرة الأفضل من الآخر جرح الأوديبية لدى المصاب بها، وتسكنه.
بطل موسم صيد الغزلان وجرح الماضي
وقرب انتهاء التجربة يعود البطل إلى بيته، وإلى غرفة ابنته التي دار بينه وبينها حوار في بداية أحداث موسم صيد الغزلان، فنكتشف أنها غير موجودة، وإنما الذكاء الاصطناعي قد سجل ذكرياته معها، على أن يبثها له كلما مر في نفس الأماكن.
ونكتشف أن ابنته قد قتلت في تفجير إرهابين إسلاميين لقنبلة نووية، أي أن ابنته ماتت باسم الإله، فكان ذلك هو ما دفعه للثورة على الإله والدين، وهذا يبرز دور الأنثى في حياة البطل، ودورها المحوري في رواية موسم صيد الغزلان.
ويجدر الإشارة هنا إلى السبب الذي يجعل من نديم بطلاً، فالملحدين كثيرون والثائرون على الإله أكثر، ولكن لماذا نديم بطل؟ لأنه ببساطة اتخذ منهج البحث العلمي في ثورته، لم يثر ويعترض وحسب، بل كان إيجابياً وبحث عن الحقيقة بصدق ومثابرة، ما جعل الرحلة تقوده لمعرفة ذاته، وإعادة النظر فيما يخص الإله.
(اقرأ: مراجعة رواية فيرتيجو.. البطل الأندردوج)
نهاية موسم صيد الغزلان
في نهاية موسم صيد الغزلان، لا يعود البطل إلى الإله ويشهد أن لا إله إلا الله، وفي نفس الوقت لا يستمر في إلحاده، وعلى التوازي لا يجزم أحمد مراد أن نديم وزوجته قد أضحيا مثلما كانا في الماضي، وبذلك تكون حاجة البطل قد تحققت، وهي أن يتخلى عن الأبيض والأسود، لا إيمان وراثي أعمى، ولا إلحاد متطرف.
وهنا تقف نهاية رواية موسم صيد الغزلان في منطقة رمادية، لا أبيض ولا أسود، لا إيمان تام بالإله، ولا إنكار حاد لوجوده، إنما يؤمن نديم بأن هناك كيان ترجع الأسباب إليه في إنارة النور الأول في الكون.
وبذلك تكون نهاية موسم صيد الغزلان مثالية، فهي من ناحية مناسبة لطبيعة الأحداث والشخصية، التي لا يجوز أن تتحول من الأبيض إلى الأسود أو العكس بصورة حدية.
ومن ناحية أخرى لا ينبغي أن تطمأن موسم صيد الغزلان قرائها المؤمنين مع نهايتها بأن كل شيء على ما يرام، لأن هذا يفسد هدف الرواية، إذ تسعى للنبش في عقل المتلقي، ودفعه للتفكر والبحث عن الحقيقة.
قال المخرج الأمريكي ديفيد فينشر: "إن الجمهور يحب الأفلام التي تطمأنك مع نهايتها أن كل شيء على ما يرام، أنا لا أصنع هذه الأفلام"، وفي سياق متصل قال المخرج مايكل مور: "عليك ألا تجعل المتلقي يخرج من الفيلم مكتئباً، بل غاضباً"، لأن الغضب يحفز المرء على التحرك، بينما الاكتئاب -ومثله الرضا- يدفع نحو السلبية.
تم.
أكتب لنا رأيك في التعليقات، وشارك المقال ليصل للمزيد من الأشخاص.