رواية موسم صيد الغزلان
سادس روايات أحمد مراد، صادرة عن دار الشروق 2017م، تدور حول نديم وهو عالم أربعيني ملحد، يعيش في مستقبل قريب حيث التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي المذهلان، يحاول نديم صيد سيدة متزوجة ظهرت له في حلم، فيضطر إلى قبول دعوة زوجها لخوض تجربة استرجاع الحيوات السابقة، رغم عدم ايمانه بمفهوم الروح والإله، فماذا سيفعل في مواجهة زوجها بعدما يكتشف عن نفسه من خلال التجربة؟ وكيف سيكون أثر ذلك على رؤيته للإله؟
(أقرأ: كيف تكتب لوج لاين؟ شخصية وحدث وسؤالين)
عالم موسم صيد الغزلان وعالم الواقع
تدور موسم صيد الغزلان في العقد السابع من القرن الواحد والعشرين، وقد فاض البحر المتوسط فأغرق الإسكندرية، وبات حي الزمالك عتيقاً، إلا أن الاتصال بين واقعنا الحالي وعالم الرواية شديد القوة. وقد أشار الكاتب أحمد مراد في حديث عن موسم صيد الغزلان إلى بحثه في علم النفس التطوري، والذي يُرجِع كل سلوكيات البشر -وإن شملها مظهر تطوري- إلى البدائية، فقال مراد إننا رغم كل التطور مازلنا نفس الرجل والمرأة اللذان عاشا قديماً في الكهوف. ومن هنا ينطلق نديم كالفهد يسعى لصيد غزالة متزوجة من حيوان ثديي باهت حسب وصفه له، ورغم كل شيء فعلاً لا يزال نديم ذكراً شرقياً كما يقول الكتاب، يرى أن العهر في جينات الأنثى، والأنا العليا خاصته تُرى بالعين المجردة، كما يعاني خللاً في المشاعر تجاه الأنثى، فنجده يكره أن يطأ من يحب، ولا يستسيغ الزواج ممن يستمتع معها.
ومن ناحية أخرى يخوض البطل في الحديث عن رؤيته للإله والشيطان والعلم، بأسلوب يبدو في ظاهره فجاً، مهدداً لذوي العقول الواجمة المتجمدة، وقوة الاقتحام هذه تسببت في إغفال الكثير من القراء للجانب الحقيقي للقصة -ما سنوضحه فيما بعد؛ إذ تركز تفكيرهم وشُحذت ملكاتهم نحو تساؤلات البطل وأحلامه ورغباته غير المقيدة.
(أقرأ: موسم صيد الغزلان.. الأنثى محوراً للقصة)
شخصيات موسم صيد الغزلان
إنه لمن الصعوبة بمنزلة أن تقوم رواية بالكامل على بضع شخصيات، ويزيد من الصعوبة أن يكون البطل هو الراوي، فيُحسب للكاتب أحمد مراد قدرته على خلق التفاصيل والعالم الخاص لكل شخصية، ما جعل الحوار بين الشخصيات يستمر ويتطور فيحرك الأحداث. وقد ساعده في ذلك الاعتماد على أسلوب الراوي الذاتي، الأمر الذي عادة يجعل من القصة أقصر وأكثر تكثيفاً، إلا أن أحمد مراد وما خلقه من عالم داخلي معقد لبطل موسم صيد الغزلان، جعل من الذاتية مساعداً في خلق حوارات داخلية مسترسلة. بالإضافة إلى جهل نديم بحقيقة الملاذ وتجربة طارق -الخصم، وسعيه لصيد أنثاه، ما دفع البطل للتوقع والتخمين والتخطيط، وبالتالي ساهم في وجود تفاصيل وأحداث أكثر.
وكما ذكرنا سابقاً فإن هذه الحوارات الداخلية أسهمت في إغفال الكثير من القراء لحقيقة شخصية البطل، أو يمكن القول أنها ساهمت في انتقاء القراء ذوي القدرة على تقبل الآخر، بينما لفظتْ المتجمدين. وحقيقة بطل موسم صيد الغزلان ترجع إلى علاقته بابنته سلاف، ما لن نخوض فيه منعاً لحرق الأحداث، بل سنكتفي بالإشارة إلى أنه يُحسب للبطل اعتماده في ثورته ضد الإله على المعرفة، لذلك هو بطل، ولذللك أعطاه الإله فرصة أخرى، فقدر له الدخول في تجربة الملاذ، وقد قال له طارق في أحد المشاهد إن الطبيعة لا يمكن أن تساعد إنساناً يقف ضد نفسه، وأضاف أن نديم لا بد وأن فعل شيئاً حتى تقوده الأقدار لخوص هذه التجربة.
(أقرأ: تراب الماس.. كيف تكون بطل؟)
سير أحداث رواية موسم صيد الغزلان
تستغرق موسم صيد الغزلان أكثر من اللازم إلى حد ما في إرساء عالمها الخاص، ربما لأن الكاتب قدَّر صدمة القارئ من أفكار وخيالات البطل، بالإضافة إلى عالم الرواية الجديد على القارئ، فقرر الاستغراق قليلاً في بدايتها حتى يمهل القارئ ليستوعب. ومع الدخول في التجربة يخطط البطل لمحاضرته عن الشيطان، وتظهر خيالات له في الطفولة، وعلاقته بوالدته والإشارة إلى الأوديبية الحارقة لديه، وهكذا يستكمل نديم التجربة، فيكتشف نفسه كما لم يعرفها من قبل، ما سيغيره للأبد.
تقييم رواية موسم صيد الغزلان
أسرني قدرة الكاتب على التحدث بلسان الشخصية، ولكن في بعض الأحيان شعرت بقليل من المغالاة في الحوار الذاتي، حيث يركز الكاتب على تفصيلات صغيرة جداً، مثل أن يصف الكاتب ابنته بأنها 50% منه و50% من أمها، ومثل هذا التدقيق أراه زائداً عن الحد. كما أنه في بعض الأحيان -كما ذكرت- أسترسل الكاتب في الحوارات الداخلية والتصورات، وكذلك في التمهيد.
التقييم: 3/5
(اقرأ أيضاً: مراجعة وتقييم فيرتيجو)
اقتباسات مميزة من رواية موسم صيد الغزلان
"لحظات الجنس هي اللحظات التي تنطفئ فيها محركات المخ، لا وعي ولا لا وعي، أنت وغزالتك وقانون الجاذبية، وبركان من النشوة"، "عادت لترى الوجوم في أعين المتجمدين، والإعجاب الحذر في أعين الباحثين عن الحقيقة"، "أنا شاهد صامت على الحياة"، "من الخيانة أن ترتبط بامرأة قبل أن تكتشف نفسك أولاً".
"شغف اعتلائها لا يقل روعة عن لذة انتزاعها"، "الإثباتات صراع، مين صح ومين غلط، وده بالنسبالي مبقاش مهم"، "قد أخبر الملائكة منذ البداية أنه "جاعل" في الأرض خليفة، والجعل في اللغة تغيير وليس ابتكاراً من العدم، ترقية"، "الغنى مش بس فلوس، لكن صعب عقلك ينور وأنت جعان أو محروم"، "لقد نجحت تجربة استرجاع الحياة السابقة، ...، مع عرض جانبي بسيط، أنا لم أعد أنا"، "بعض المذنبات لا تعود، حتى في موسم صيد الغزلان".
تم.
أكتب لنا رأيك في التعليقات، وشارك المقال ليصل للمزيد من الأشخاص.