العقاب ومفهومه الخاطئ في المجتمع المصري

من المؤسف أن مصر من أكثر الأمم على مستوى العالم ارتكاباً للتجاوزات والانتهاكات الجسميتين داخل السجون، حتى أن ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م كان منبعها مقتل الشاب السكندري خالد سعيد على يد مخبرين بتفويض من قانون الطوارئ، الذي يعطي لرجال الشرطة الحق في تفتيش من يشتبهون به في أي وقت وتحت أي ظروف، وما زالنا حتى اليوم نسمع بين الحين والآخر خبر وفاة مسجون جراء التعذيب والانتهاكات.

وفي مقالنا لا نقصد التعذيب المتعلق بأمور السياسة فقط، فرغم أن التجاوزات الإنسانية في حق المواطنين المرتبطين بقضايا سياسية لا تنتهي، بل تستفحل وتشتد، إلا أن معظمها يكون دون تهمة واضحة من الأساس، وإنما موضوع مقالنا عن عقاب المذنب، مفهومه الصحيح، والغرض منه.

العقاب في المجتمع المصري


مفهوم العقاب

إن التعريف اللغوي للعقاب هو الاقتصاص من المذنب، أو الثأر منه، وتختلف طريقة العقاب وحجمه -بطبيعة الحال- باختلاف حجم الذنب ومدى تأثير وقوعه. 

ومن الأهمية بمنزلة أن نلفت إلى الهدف من وراء العقاب، وهو ببساطة إعلاء قيمة المسؤولية لدى المذنب عن طريق إجباره على دفع ثمن خطيئته، سواء بدفع تعويض مادي أو بالسجن أو حتى بالإعدام، الهدف من كل ذلك أن يدرك المذنب أن لكل فعل ردة فعل، وأن هناك من يحاسبه عما اقترف من آثام، حينها سيؤمن فطرياً بالعدالة الإلهية.

ويؤكد القرآن الكريم ذلك الهدف، فعند النظر إلى الآيات الكريمة التي تتحدث عن العقاب، نجد أنها دائماً ما تأتي بعد الحديث عن ذنب ما، فيقول الله: "عاقبهم بذنوبهم"، أو يختم الحديث عن إثم عظيم أو في ختام سورة ما فيقول: "إن الله شديد العقاب".


العقاب في المجتمع المصري

ولكن ما يحدث في مجتمعنا المصري، وليس في السجون أو من قبل المسئولين فقط، بل في أبسط نماذج المجتمع، ألا وهي الأسرة، ما يحدث أننا ننظر للعقاب على أنه نوع من الأذى الذي نلحقه بالمخطئ حتى ننفس عن غضبنا.

ولا شك أن تنفيس المظلوم أو من أُخطِأ في حقه عن غضبه أمر هام، وهو من أهداف تحقيق العقاب ضد الظالم أو المذنب، ولكننا نعاني في مجتمعنا بعضاً من الالتباس في أمر التنفيس، فنلجأ للتنفيس السلبي عن طريق الضرب أو الاعتداء الجسدي، سواء للأبناء أو للمقبوض عليهم، أو حتى للمساجين، وهذا النوع من التنفيس أو العقاب لا يقوّم السلوك، بل يساهم في تدهوره.

كما أننا نخلط ونذيب بعض الحدود، فحين يفقد ابننا كراسته مثلاً نضربه لنقتص منه! هل إضاعته للكراسة خطأ في شخصنا نحن؟ هل كذبه علينا -مثلاً- إهانة شخصية لنا؟؟ 

وحين تقبض الشرطة على سارق فيبرحونه ضرباً، أو يعذبونه في السجن، هل الشرطي والسجان هم من سُرقوا؟ 

لماذا نعتبر خطأ الآخر إهانة شخصية لنا؟ 

لماذا نعد أنفسنا قضاة وجلادين ضد كل من يخطأ؟؟

ونلفت إلى أن التجاوزات في السجون وداخل البيوت لا ننفرد نحن المصريين بها من دون الأمم، فلا ينبغي أن نعتقد دائماً أننا أقل البشر وأدناهم منزلة، ولعل اعتقادنا الراسخ في ذلك ما يدفعنا إلى تلك الفوضى التي نحيا فيها على كل الأصعدة، ولذا نوضح أننا لسنا وحدنا من نخطأ، ولعل تقبل أنفسنا ما يساعدنا على الإصلاح.


العقاب والأعمال الدرامية

ونشيد بالأعمال الدرامية الجريئة التي رصدت عوالم السجون، ومن أهمها مسلسل سجن النسا، من تأليف مريم نعوم وإخراج كاملة أبو ذكري، والذي رأينا فيه من يدخلن السجن طواعية بدلاً من معلميهن ورجالهن، وكثيراً ما تكون الحكومة على علم بكل الأنشطة وكل العاملين بها، ولكنها تختار أن تسجن الصغار حتى تتظاهر وكأنها تؤدي عملها. 

(اقرأ: تحليل مسلسل سجن النسا.. أزمة الحدود والتواصل)

وعلى الصعيد الغربي نشيد بفيلم مثل The Shawshank Redemption من سيناريو وإخراج Frank Darabont، الذي تناول حياة مسجون لمدة 19 عاماً، وكيف كان يجاهد لكي يبقى حراً بين أسوار السجن القاسية.


ونختم مقالنا بالحديث عن مشهد من فيلم Causeway بطولة Jennifer Lawrance، حين قامت بزيارة شقيقها في السجن قرب نهاية الفيلم، فقال لها إنه أفضل حالاً داخل السجن، حيث إنه لا يثق في قرارته خارجه، ما يؤكد على أن الأسوار والحراس والقانون والعقاب هدفهم ومرادهم تقويم المخطئ ومساعدته على المحيد عن الخطأ. 

إن الجلاد مساعد للمجلود، وليس متسلطاً عليه، إنه يعينه على التزام الحدود وتحمل المسئولية، لا يبغضه ويحط من شأنه حتى ينفس عن غضبه الشخصي، لشد ما تختلط الأمور وتنتهك الحقوق تحت وطأة الفوضى والجهل.


تم.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال