تحليل سيناريو فيلم أوقات فراغ، تأليف عمر جمال ومحمود محمد، إخراج محمد مصطفى، بطولة أحمد حاتم، عمرو عابد، وكريم قاسم.

من أهم قواعد الكتابة أن تكون الأحداث متسلسلة، أي كل حدث نتيجة لما قبله، ومؤدي إلى ما بعده، وأن تكون جميع الأحداث مرتبطة بخط رئيسي واحد، وقد كان الخط الرئيسي لسيناريو أوقات فراغ هي أزمة حازم مع منة بسبب الحجاب والارتباط الرسمي، وعلى التوازي كان هناك خطين رئيسيين لأحمد وعمرو، الأول أزمة أحمد مع أبيه ومحبوبته مي، والثاني رغبة عمرو في تغيير كليته. وكان ينبغي لكل الأحداث الفرعية أن تتصل بهذه الخطوط الرئيسية، ولكن سيناريو أوقات فراغ يشتمل على مجموعة من الأحداث غير المتسلسلة وغير المؤثرة بطريقة مباشرة على الخطوط الرئيسية، حيث يبدأ أوقات فراغ بأن يبحث الأبطال عن فتيات لقضاء سهرة معهم، وهذا لا يترتب عليه خروجهم للسينما برفقة فتيات أخريات بعد ذلك، ولا يرتبط هذا أو ذاك بتغيير حازم لسيارته مثلاً. ونلاحظ أن الخطوط الرئيسية التي ذكرنا مترابطة ومتسلسلة إلا أنها مغلَّفة بمثل ما ذكرناه من أحداث غير مرتبطة بها، ما يخالف القاعدة ولكنه يخلق شكلاً جديداً يناسب موضوع الفيلم المطروح، ويجعل المشاهد في كثير من الأحيان عاجز عن تحديد رأس الفيلم من ذيله، وهنا تكمن العبقرية، فحياة الأبطال مليئة بالفراغ والأحداث المتشابهة التي لو تغيرت أماكنها -مع الحفاظ على الأحداث الرئيسية المبطِنة- لما أحدثت اختلال درامي يذكر.
وفي ظل هذه الأحداث المفككة تتطور أحداث الخطوط الرئيسية وتتعقد وصولاً إلى الذروة، فتخلع منة الحجاب ما يدفع أحد الزملاء لتصويرها خلسة في وضع مثير، وتصل الصورة لحازم فيترتب عليه اشتهاء حازم لها ويدفعه لاستباحة جسدها. وعلى التوازي تتطور أزمة أحمد مع أبيه، بالتوازي مع خلافه مع مي حول الحضور والمخدرات، وكذلك يحاول عمرو تغيير كليته بغض النظر عن رفض الأب. وتبرز من خلال هذه الصدامات منبع أزمة الأبطال، فنجد أن أهل حازم لم يظهروا إلا حين وقعت أزمته مع منة وأجبرها أهلها على أن تتقدم ببلاغ هتك عرض، وكذلك لم يظهر والد منة ووالدتها إلا حينما وقعت الأزمة، وكان الظهور الوحيد لأختها حين طلبت رأيها في ملابسها قبل الخروج وردت الأخت في ضجر وقالت إن لا وقت لديها لذلك. وطريقة تعامل الأهل مع الأزمة قد أظهرت ملامح شخصياتهم؛ فنجد أم حازم تنصحه بأن يستغل حب منة له في الضغط عليها للتنازل عن القضية، وأهل منة لم يظهروا اهتماماً بأي شيء يخص ابنتهم وانصب اهتمامهم على مظهرهم أمام الناس، وأمام أهل حازم كذلك فنجد كلاً من أفراد الأسرتين يتصنعون المودة ويدعون بعضهم البعض للقاءات. ونرى كذلك كيف أن والد أحمد عاجز عن التواصل معه، يتعامل كما لو كان الحضور والالتزام يمس شخصه هو في حين أن أحمد المستفيد الأول من النجاح الدراسي، ونجد الأب يفضي إلى الأم بمدى حبه لأحمد وخوفه عليه لكنه أمام أحمد لا يظهر سوى كائن مزعج يأمر ويوبخ. ومن ناحية أخرى نرى مي في بيتها فنعرف لماذا هي الشخصية الوحيدة المستقرة نفسياً، وذلك من خلال علاقتها الجيدة بأمها، حيث سألتها الأم عن أحمد وعن الخلاف بينهما وتعاملت معها بلطف في حين أن غيرها من النسوة كانت ستهين وتوبخ أو تنبذ من الأساس علاقة ابنتها بشاب. وعلى ذكر النسوة ننتقل لقصة عمرو ونلفت إلى الهوان الذي يملأ شخصية أمه، فنجدها تهتم بشأن الأب وتغري عمرو بأن يتعاطف معه ويسترضيه، في حين أن الأب متزوج من امرأة ثانية ولم يظهر أبداً ولو حتى من خلال مكالمة هاتفية يطمأن من خلالها على أحوالهم، إنه كيان غائب يفرض على عمرو دراسة ومسار حياة لا يحبهما، والأسوأ أن الأم تتولى عنه توضيح الدوافع فتخبر عمرو بأنه يحبه ويريد أن يتشرف بكونه مهندساً.
وخارج البيت ما هو إلا انعكاس لداخله، فنجد أن المجتمع يرفض بدوره أن يمنح هؤلاء الشباب أية فرصة أو يصغي إليهم، أو يعدل بينهم وبين غيرهم من أصحاب الوسائط، فنرى كيف ينجح طالب زميل لهم دون أي اجتهاد لأن خاله معيد في الكلية، وكيف تُخلِي الشرطة سبيلهم رغم القبض عليهم متلبسين لأن واحداً منهم ابن مسؤول كبير. وحتى دعاة الدين يخاطبونهم بلغة فاترة مليئة بالتكليف والدروس، دروس دروس دروس، لا أحد يهون عليهم الأمور وييسر، لا أحد يحاول النفاذ إليهم وملامسة قلوبهم، ما جعلهم بالأساس أشخاص غير متزنين، فنجد أحمد في أحد المشاهد يخوض في عرض أخت صديقه، ويحكي كيف فعل معها كذا وكذا، ونرى حازم يرفض الزواج من منة رغم حبه لها لمجرد أنها أبيحت له دون زواج، ونلاحظ سوء معاملة عمرو لأخته، وزواج منة من شخص كان يتعمد الإساءة إليها رغم حبه لها أو بسبب حبه لها! الاختلال لا ينتج سوى اختلال، والفراغ الداخلي لا تنطوي عليه سوى شخصيات هشة غير قادرة على مواجهة معترك الحياة، فنرى كيف أن حازم لم يتحمل مسئولية ما فعل تجاه منة وطلقها فور تسوية الأمور بين الأسرتين، ولم يصمد أحمد وعمرو أمام بعض المتطلبات التقليدية من أجل العمل والاستقلال. وحتى موت صديقهم لم يؤثر فيهم إلا لبعض الوقت، لقد حاولوا غير مرة بدافع مثيرات مختلفة أن يصلحوا من مسار حياتهم لكنهم لم يستطيعوا الاستمرار، وكان موت صديقهم مجرد مثير أكبر دفعهم للالتزام لوقت أطول ليس إلا، قبل أن يعاودوا الدوران في دوامة البحث عن الأمان، ومن ثم سيعودون من جديد إلى نفس المكان. وهذه النهاية تدرج أوقات فراغ ضمن فئة الأفلام التنفيسية، التي تأخذ المشاهد في رحلة مؤقتة لتنفس عما يعتمل في داخله من رفض وكبت بخصوص صراع ما، أو تخبره بشيء معين ومن ثم يعود مع نهاية الفيلم كل شيء إلى ما كان عليه.
نريد أن نلفت إلى أوجه أخرى بخصوص بعض المساوئ التي ذكرناها لدى الأبطال، فأحمد لم يكن على علاقة بهذا الصديق حين فعل ما فعل مع أخته، وما من مشاهد يرى في منة -ذات الشخصية المتذبذبة- زوجة جيدة تدفع حازم للزواج منها، كما أن شقيقة عمرو كانت مزعجة بشكل ما، إن أبطالنا ليسوا بشياطين، وليسوا كذلك بملائكة، شأنهم شأن معظم المشاهدين، لقد كانت الظروف أقوى منهم، لذلك اختار مؤلفو السيناريو أن يكونوا من نوع البطل السلبي الذي تعجزه قدراته المحدودة عن الانتصار في الصراع وإيجاد الحل، ولكن المؤلفين قد أشاروا إلى الحلول بطريقة غير مباشرة، فيقول لنا أوقات فراغ إن الحل قد يكمن في الابتعاد عن المثالية؛ حيث إن الأبطال يحاولون الإصلاح بمبدأ الكل أو اللاشيء، إما التزام تام وإما انحلال مفرط، ولكن من يهديهم إلى ذلك؟ لقد كان اختيار هذا النوع من الأبطال لهدف التقرب من شريحة أكبر من المشاهدين وقد لامسهم أوقات فراغ لأقصى درجة، لأن الأبطال يشبهونهم، فالبطل التقليدي نادر الوجود في الحياة، غالبية البشر أبطال سلبيون، أو يشبهونهم إلى حد بعيد. ومن ناحية أخرى إن هذا ما يحتاجه أبطالنا حتى يتغيروا للأفضل، يحتاجون إلى شخص يتقرب منهم، ولعل هذا ما حاول صناع أوقات فراغ فعله من خلال فيلمهم، لعلهم حاولوا من خلاله النفاذ إلى قلوب الشباب، حتى تتصل أجزاء حياتهم ببعضها البعض وتتماسك، فتستقر النفوس ويمتلئ الفراغ.
(أقرأ: قلب الليل.. كيف تكون بطل سلبي؟)
تم.
أكتب لنا رأيك في التعليقات، وشارك المقال ليصل للمزيد من الأشخاص.