في هذا المقال نتناول تحليل سيناريو الفيلم القصير من حبي فيك يا جاري، وكيف أن السيناريو نموذج للسيناريو القصير. الفيلم من تأليف وإخراج ريهام الطحاوي، بطولة عارفة عبد الرسول. يدور فيلم من حبي فيك يا جاري حول عجوز وحيدة تؤنس وحدتها بمتابعة جيرانها دون أن يلاحظوا، فماذا ستفعل حين يختفوا فجأة؟ وكيف سيغير ذلك من سلوكها؟
(أقرأ: كيف تكتب لوج لاين؟ شخصية وحدث وسؤالين)
من حبي فيك يا جاري: من؟ ولماذا؟ وكيف؟
يبدأ من حبي فيك جاري بالعجوز تجلس وحيدة في منزلها، وبذلك يقتحم السيناريو الموضوع الرئيسي سريعاً، ويجيب على سؤال: من البطل؟ والإجابة عجوز وحيدة. قبل أن يوضح لنا ببساطة لماذا هذه المرأة وحيدة، عن طريق صور زوجها الذي توفى، وابنيها اللذان هاجرا. ويأتي المشهد الثاني ليكون إجابة على سؤال: كيف تتأقلم مع وحدتها؟ والإجابة تتابع حياة جيرانها سراً. قبل أن يأتي المشهد الثالث ليكون كذلك مترتباً على ما قبله، فنرى العجوز تمارس حياتها تأثراً بحياة جيرانها، تطبخ مثلما رأت جارتها تطبخ، وفي الخلفية أغنية: (من حبي فيك يا جاري). وتتابع الأحداث المرتبطة بجيران العجوز، فتأكل لما تجدهم يأكلون، ومن أجل التخلي عن النمطية نجدها في أحد المشاهد تسقي زرعها دون حاجة لرؤيتهم يفعلون بالمثل.
من حبي فيك يا جاري: ولكن؟
تستيقظ العجوز من نومها وتهرع إلى نافذة جيرانها، ولكن تجدها مغلقة! تتابع وتتابع، وتحاول الوصول إليهم لكن دون جدوى. تعود إلى صورها وذكرياتها. قبل أن يأتي جيران جدد، وتقابلهم العجوز كذلك بشخصية جديدة إلى حد ما، نراها تقف أمام المرآة لتهندم مظهرها، وتضع المنظار الذي كانت تراقب منه الجيران القدامى في الدرج، وكأنها تتخلى عنه، لتقف أمام الجيران الجدد وتنظر إليهم وتتواصل معهم، وكأنها عادت لذكرياتها استعداداً لبناء ذكريات جديدة مع أناس جدد. ومن الملفت حين استرجعت ذكرياتها مع ولديها اللذين سافرا للخارج لم نسمع صوتها مطلقاً، كانت صامتة في مواجهة رغبة ولديها في السفر، ما يشير إلى أن صمتها وعدم محاولتها التواصل كانا سبباً في وحدتها، وقد كادت تتخلى عن الصمت حين رحل الجيران لما جعلت ترمي المشابك على النافذة، ولكن كان الأوان قد فات، ومع الجيران الجدد جاءت فرصة جديدة للتواصل، وقررت العجوز حينها التخلي عن الصمت والتخفي واختارت التواصل.
من حبي فيك يا جاري: نموذج كيف تكتب فيلماً قصيراً
إن القاعدة الأساسية في كتابة القصة بخصوص الزمن، تتلخص في أن يسمح زمن القصة بتحول ما في الشخصية، وفي سيناريو من حبي فيك يا جاري جاء التحول بسيطاً مناسباً لفيلم قصير، رغم أن وحدة البطلة استوجبت عودة إلى ماضيها، ولكن نجحت كاتبة السيناريو في خلق ماضي غير معقد، فقد توفى زوجها وهاجر ابنيها، ولم تكن وحدتها بسبب أنها عقيمة مثلاً، أو لأنها فقدت ولدها في حادث، لأن ذلك سيحتاج إلى مساحة زمنية أكبر من أجل التحول.
(أقرأ: ملخص كتاب فن الشعر لـ أرسطو.. المرجع الأساسي لكل كاتب)
ورغم بساطة السيناريو فقد كان يحمل في طياته مستويات عميقة، كما أشرنا فيما سبق فهي لم تحاول التواصل مع ولديها فيما مضى، ولم تفصح عن رفضها لسفرهما وشعورها بالوحدة، ما يجعل من تواصلها مع جيرانها الجدد في نهاية الفيلم شاهداً على تحول في شخصيتها، تحول بسيط وعميق في نفس الوقت.
وقد كان اختيار المؤلفة بأن يأتي جيران جدد تتواصل معهم العجوز اختياراً موفقاً من أجل زمن وإيقاع الفيلم القصير، لأن العجوز ما دامت لم تتكلم منذ البداية مع الجيران القدامى سيكون من الصعب خلق حوار معهم دون الحاجة إلى زمن أكبر في الفيلم، بينما الجيران الجدد سيكون من الطبيعي والسهل أن ينفتحوا عليها بسرعة وسهولة.
تم.
أكتب لنا رأيك في التعليقات، وشارك المقال ليصل للمزيد من الأشخاص.