صوت داخلي - قصة قصيرة - الفصل الرابع

* * *
صوت داخلي - قصة قصيرة

لتجربة أفضل:

* * *

ملتحفاً بغطائي جعلت أتململ في الفراش، القلق يأكلني، والتستوستيرون يسيل من شراييني على الوسادة، يدفعني لأن ألقي نظرة على الموقع الأزرق، سيبقى المفضل لدي مهما قيل إن هناك ما هو أفضل منه، أعشق الأربعينيات، خاصة صاحبة الوشم الدائري على محيط الفخذ، والفيديو الذي تضاجع فيه مراهقاً في عمري أو أكبر قليلاً، وهي في رداء أزرق قاتل. هل تشبه لحظات الجنس لحظات الاستمناء؟ أشعر تماماً مثلما وصف أحمد مراد: لا وعي ولا لاوعي، أنا وموقع الغزلان الأزرق، ولكن نشوة الاستمناء أقل بكثير من أن توصف بالبركان. ها قد أتت الرعشة والتنميل، انبثق السائل وضعف المنظور، مع الشعور وكأن خلايا المخ تعود إلى الخلف، مخدرة، مسترخية، استرخاء ما يكاد ينقلب ندماً على ما حدث، وخوفاً مما هو آتٍ، واشمئزاز مما كنت أشاهد! 

قبل أن تتحول كل هذه المشاعر إلى طاقة هائلة، تدفعني لأن أقضي ما تبقى من اليوم وغداً في صلاة خمسين فرضاً، وتنظيف البيت بأكمله، والهيام في خيالات أتكلم فيها بطلاقة، أجيب على كل أسئلة المدرس، أتلقى التقدير منه، ومن أعين زملائي، والأهم من عيني حبيبة، التي ترمقني بإعجاب يلاحظه علي وينبهني إليه. عادت أمي من عملها فقطعت شرودي، وضعت ما معها من أكياس فوق السفرة، نزعت الخمار عن رأسها وجلست لتلتقط أنفاسها، أثنت على تنظيفي للبيت ثم جعلت تقول:

- والنبي قمت ف الفجر غصلت المواعين ولميت الغصيل وجبت كيس إريال بخمسة جنيه.. كل يوم كُوُّام غصيل كَد كده

لو كان سيف موجوداً لما تكلمتْ معي بهذه الطريقة، على الأرجح كان سيخرج من الغرفة بسرعة ويطلب منها أي شيء، وكأنما ليصرفها عن الحديث معي، ويجذب اهتمامها نحوه، ومن عجب أنها لو لاحظت وجوده لتظاهرت وكأنها لم تكن تتحدث إليّ! 

أهتز هاتفي برسالة جديدة، وكانت رداً من علي بعدما أرسلت إليه أخبره بأنني سأحضر معهم اليوم، "يا مرحب.. وحشني يا واد"، حدثته مرة أخرى عن رواية موسم صيد الغزلان، وعرضت أن أحضرها له ليقرأها، حتى وإن كنت لم أنهها بعد. لكنه يرى أنها "رواية نجسة"، وسيف يرى أن الروايات خيال و(هبل)، وبابا يقول إن نظرية انتقال الأرواح من جسد لجسد شيء من الكفر! كما يقول إن الروايات والأفلام والمسلسلات والأغاني كلها موجهة لأغراض غير نبيلة. ورغم ذلك فبابا يقول إنه قارئ قديم عتيد، وكان دائماً ما يمدح حبي للقراءة والثقافة، ولكني في الحقيقة أبداً ما كنت أقرأ كتاباً أو رواية، متى أنهي قراءة موسم صيد الغزلان أحسب قارئاً. لكم أتمنى أن أجد من يشاركني اهتمامي بهذه الرواية، بخلاف يوساب، ألا يمكن أن تكون حبيبة؟! ألقيتُ نظرة على حسابها على الفيسبوك، وكان أحدث منشور شاركته يقول: "هلف أخويا ف هدية وأقدمه لماما ف عيد الأم، عشان دي أكتر حاجة هي بتحبها"، كمعظم منشوراتها، تشكو من حب الأسرة لأخيها أكثر من حبهم لها.

لأول مرة أتمنى أن يتأخر بابا في العمل أو لا يعود، في صغري كنت أتوق لعودته للمنزل، كنت أقف في النافذة وأجعل أقرأ ما حفظت من القرآن حتى يعجل الله من مجيئه، ولكن عودته اليوم مبكراً تحكم عليّ بأن أذهب للدرس، وأواجه كل مخاوفي، وحيداً دون عناية الله بعد أن عصيته، أنا والماضي وبركان من الخوف. وقد عاد، في الثالثة عصراً، أعطاني الأموال، ارتديتُ قميصي الكحلي المفضل، رغم برودة الجو في ظل النوة الأخيرة في شتاء هذا العام، فليس معي جاكيت، لأننا حين ذهبنا لشراء الملابس شعرت أنني أثقلت على بابا مادياً فلم أفصح عن احتياجي لجاكيت، على أن اعتمد على ارتداء عدة طبقات من الملابس الداخلية. 

حين دخل بابا البيت كانت ملابسه مبتلة بفعل الأمطار، قال:

- النهاردة أتقل يوم في النوة

واستقبلت كلماته بمفهوم آخر، كل الأمل في مساعدة ميس هناء. 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال