صوت داخلي - قصة قصيرة - الفصل السابع

* * *
صوت داخلي - قصة قصيرة

لتجربة أفضل:

* * *

انتظرتُ لحظات بعدما ضغطتُ جرس الباب، لم أسمع أي حركة داخل البيت، ثم تذكرت تعليمات بابا فضغطت على الجرس وقرعتُ الباب بيدي ففتح لي بابا بملابس داخلية متهالكة

- أيوة كده رن وخبط عشان نعرفوك.. حمد الله ع السلامة يا دكتور

واحتضنتني الظلمة، مرت لحظات من الثبات لم أشعر خلالها بشيء وكأن شيئاً لم يحدث، خطرت لي فكرة أنني لن أستطيع أن أحزن، مثلما لا أستطيع أن أتكلم، ولكن ما حدث كان أقوى من الفكرة إذ تقلص وجهي بقوة، وأردتُ أن أشق الظلام والصمت بشهيق محشرج، ولكني كتمتُ صوته، وجاهدت لأكبح الدموع فجعلتْ رأسي تهتز وجسدي ينتفض، أغمضت عيني بشدة وجززت على أسناني فتساقط اللعاب، وسمعت أنات تألمي المكبوت، قبل أن يقهقه سيف في الخارج، وكأنه يضحك على بكائي كعادته. في هذه اللحظة دخل بابا ولم يسعفني الوقت لأتمالك نفسي فلاحظ بكائي، ولكنه قال في هدوء:

- أطلع اتغدا يلا

في الصالة كان الجميع موجوداً باستثناء محمود، إسلام كان مستلقياً فوق أريكة يتناول الطعام، كعادته يأكل ويشرب وهو مستلقي فوق الأريكة التي ينام عليها ليلاً، ويحاول جذب اهتمام بابا بكل الطرق، والأخير لا يلتفت إليه إلا نادراً، وهذا هو حالي اليوم، كان بابا واقفاً يرتدي ملابسه استعداداً للخروج، وقد جلستُ على السفرة بحيث أكون نصف مواجه لهم، في ثبات تام، لا آكل أو أشرب، الدموع تنثال من عيني بلا توقف، دون صوت أو حركة، استجدي اهتمامه ولكن دون جدوى.

- عديت المراحل كلها يا بابا شفت 

كان ذلك إسلام الذي لم يتلق إجابة من بابا فكرر:

- هاه يا بابا عديت المراحل كلها أنا دلوقتي في أصعب مرحلة

- مراحل ايه؟

- ف لعبة الرجل الأخضر يا عم

- والله أنت المفروض تلعب الرجل الأهطل.. ياد حد عنده حداشر سنة لسة هيلعب الكلام ده ويشغلنا كرتون ليل ونهار..

- مقدرش تديبلك شورطيين جداد؟

كانت تلك ماما معلقة على ملابس بابا الممزقة، وكعادته يقول إنه يتنازل عن الرفاهية من أجلنا. ارتدى بابا ملابساً داخلية فوق الملابس الداخلية فعلق سيف:

- مستحمل كيه كل اللبس ده حتى ف الصيف؟

- اتعودت.. حبش أبداً حد يشوفني جسمي صغير

ما إن نطق هذه الكلمة حتى انتفض صدري متنهداً بأعلى صوت، توقفوا عن التجاهل أخيراً وساد الصمت، ازداد اندفاع دموعي، ضممت شفتيّ من الحسرة وأخذ صدري ينقبض حتى علق بابا:

- مفيش حاجة تعبان من المذاكرة

ارتج البيت بشهقة عنيفة فوجئت بقوتها، أرخيت مقاومتي فكدت أسقط على الأرض، ولكن بابا ساندني وأدخلني لغرفتي. 

الفصل الثامن

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال