الوحدة.. كما عرفتها

الوحدة.. كما عرفتها

* * *

أعرف عدداً لا بئس به من الناس، وأقابلهم، ولكن ما يحدث دوماً أنهم يتواجدون لفترة ثم ينسحبون. أشعر وكأن الناس يستهلكون ما لديهم من طاقة في فترة القرب، ثم يبتعدون لما لا يجدون لديهم ما يقدمونه. ومن ثم يعودون بعد فترة لتقديم جرعة أخرى من التواصل، وأنا كذلك! بعد وقت من القرب تنتهي طاقتي، ولكني أحاول أن أبقى متواصلاً، بل إنني في هذا الوقت تحديداً أكون في أمس الحاجة إلى التواصل، حتى أشعر أنني موجود، أخاف الوحدة، واستوحشها، بداخلي فراغ كبير يحتاج طوال الوقت إلى أشياء تحدث من حوله.

ولكن حتى حينما يتواجد الناس من حولي ويكونوا قادرين على التواصل، فإن علاقتي بهم تقتصر على دعمي لهم واهتمامي بما يقولون، أنا دوماً الشخص الذي يستمع ويتقبل ويتفهم، ألاحظ كثيراً أنني ما إن ابدأ في الحديث عما يخصني حتى أجد الطرف الآخر يتحول إلى شيء يخصه هو، وأشعر أن تلعثمي -وإن لم يكن سبباً رئيسياً في عدم إصغاءهم- فإنه يدفعهم نحوه دفعاً، خاصة وأن التلعثم يزداد حين أحكي شيئاً أحتاج أو أحب أن أحكيه، وحينها لا ألقى -غالباً- إلا الجفاء والغلظة.

قررت غير مرة أن أقطع علاقتي بأشخاص معينين بعد مواقف كهذه، ولكني بعد وقت أنسى ما حدث، أو أذكره ولكن تأثري به يزول، أو هكذا يبدو، حتى يقع منهم مثل ما وقع من قبل، فأحزن حزنين، وأقرر ألا أتعامل معهم ثانية، ولكني أجد نفسي وحيداً بكل معاني الكلمة، أريد أن أتمشى، أن أشاهد مباراة، أن ارتاد السينما -في المراكز الثقافية غالباً حيث المشاهدة المجانية، ولا أجد من يرافقني، وما يؤلم أنه حين يتواجد أحدهم، غالباً ما أعامله باهتمام مفرط فينفر، خاصة حين تنفذ طاقتي، فلا أقوى على ردع احتياجي للاهتمام، ويتجلى في أفعالي وأقوالي. وحتى المعالجة النفسية أقابلها مرة كل شهرين، ويقتصر وجودها على المساعدة المهنية، بينما التواجد والحضور العاطفي في حياتي شبه غير موجود! 

ثلاث سنوات ونصف من العلاج النفسي ومازلت وحيداً، لا أدري إن كان الناس هم السبب، أم أن الحياة ليست للجميع..

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال