
* * *
منذ صافرة نهاية فترة الألعاب الماضية وعلاء يتحين الفترة القادمة في الأسبوع التالي *الحصتين الدراسيتين في مدارس الصعيد اسمهما فترة، وها قد جاءت، جلس كعادته على الكمبيوتر يستمع إلى الأغاني الوطنية، التي يعرفها من قنوات الرياضة المصرية حين تكون هنالك مباراة مهمة للمنتخب المصري لكرة القدم، أحب كثيراً أغنية (يا حبيبتي يا مصر يا مصر)، كان يشغل الأغنية ويشاهد في الوقت ذاته فيديوهات لاعبه المفضل كرستيانو رونالدو، كان ذلك مثيراً بالنسبة إليه، وكأن الأغنية مركبة مع الفيديو. وقد كان يحلم بأن يلعب للمنتخب الوطني يوماً، فيكون اللاعب المصري بروح الأجنبي، الذي يملك قميصه رقم 7 لدى مانشستر يونايتد. كان قد جهّز بحماس ما سيرتديه غداً في فترة الألعاب، وطال عليه الليل حتى جاء الصباح فاستيقظ متحمساً وارتدى التيشرت الكروي والحذاء الباتا الأبيض *في معظم مدارس الصعيد -وخاصة مدارس البنين- لا يوجد زي موحد للطلاب ويمكن أن يحضروا للمدرسة بأية ملابس. كانت فترة الألعاب هي الفترة الثالثة والأخيرة في اليوم الدراسي، وما أبعدها فترة، اللعنة على البخيل والدجاجة والدولة الطولونية، طُلب منه أن يقرأ الدرس وأن يجيب على بعض الأسئلة، ورغم أن ذهنه كان مشتت الذهن إلا أنه استطاع.
وجاءت فترة الألعاب..
كان كلما اقترب موعدها ازداد تشتتاً ونسي بالتدريج كل ما تخيله وتدرب عليه في المنزل، حتى إذا جاءت صافرة البداية وجد نفسه شبه فاقداً للذاكرة والوعي، يجاهد لكي يتابع ما يحدث حوله ويشارك فيه. مضى وقتاً طويلاً حتى استطاع أن يلمس الكرة، ولكن ما لبث أن قطعت منه، فكان ذلك داعياً لمزيد من الارتباك، يحتاج لبعض اللمسات حتى يحضر ذهنياً، وبعض اللمسات الأخرى حتى يستحضر الثقة فيبدأ في تنفيذ المهارات. جاءته الكرة ثانية ولكن ما كاد يعدل من وضعيتها حتى خرجت خارج الملعب، وهنا اتفق زملاءه ضمنياً -كالعادة- ألا يناولونه الكرة مطلقاً، كان علاء مهما جرى ومهما تحرك، ومهما صاح منادياً لا يحصل عليها. قرر علاء أن يقطع الكرة من الخصوم بنفسه، لدقائق كان يحاول ويحاول حتى نجح، وعدل وضعية الكرة فواجه مرمى الخصم، ورغم أنه نجاح صغير إلا أنه ألهمه الثقة، فتظاهر وكأنه سيمر بالكرة يميناً ولكن مر يساراً فتخطى لاعب من فريق الخصم، كانت لقطة رائعة جذابة، ابتسم دون أن يشعر وأحس أنه أخيراً سيتمكن من إثبات نفسه، أخيراً سيتمكن من اللعب، ولكنه ما كاد يتحرك بالكرة خطوتين حتى دفعه أحد اللاعبين بيديه بقوة دون الكرة فسقط علاء أرضاً، سقط حرفياً ومجازاً، كانت دفعة همجية خارج إطار اللعب، نظر خلفه فوجدهم يضحكون، وكل منهم يشير إلى الآخر ويقول هذا من فعل. عجز علاء عن الإتيان بأي ردة فعل واستمر اللعب، وما كان عجيباً هو عدم احتساب مدرس الألعاب خطأ، وكأنه موافق على ما يحدث، وكأنهم جميعاً يرفضون أن ينجز علاء أي إنجاز، أو أن يشعر بأي أهمية، وبذلك فقد علاء كل أمل في الحضور في المباراة. قضى ما تبقى من فترة الألعاب يتحرك بلا روح، يميناً ويساراً، طولاً وعرضاً، يتابع الكرة، لا تمرر له ولا يجرؤ على قطعها بنفسه، حتى رن جرس انتهاء الفترة واليوم الدراسي.
توقف الجميع عن اللعب وراحوا يحزمون أغراضهم من أجل العودة للمنزل، كان علاء منهكاً مثل البقية، فمن يسعى خلف الكرة دون أن يلمسها كما المدخن السلبي، ومن عجب أن وجد علاء أحد زملاء الفريق يثني على أدائه! قال إنه أكثر من كان يتحرك أثناء المباراة، هل كان الزميل يشفق عليه بسبب ما تعرض له من اضطهاد؟ أم أنه يريد للاضطهاد أن يستمر ويستمر فحاول أن يمنح علاء قليلاً من الإطراء يدفعه لعدم التوقف عن المحاولة؟ عاد علاء يتساءل هل يمكن أن يثبت موهبته في الفترة القادمة؟ أم أنه موهوب بالفعل وهم يعرفون ذلك؟ وبفضل ما سمع وجد علاء نفسه يحمل حقيبته ويتحرك مغادراً دون أن يهتم بأيٍ من زملائه، رغم أنه كان دوماً ما يبحث عن زميل يرافقه في طريق العودة للمنزل، وكأن الإطراء من فرط حاجته إليه دفعه للتعالي والترفع، ولكن في داخله كان حزيناً متحسراً، يتفكر إذا ما كان عليه أن يجد نشاطاً آخر يمارسه دون كرة القدم.