في شقة مصر الجديدة.. نموذج كيف تحكي قصة شخصين

في شقة مصر الجديدة وكيف تمحور حول تيمة القدر من خلال قصة شخصين؟

فيلم في شقة مصر الجديدة 2007م، من تأليف وسام سليمان وإخراج محمد خان، يدور حول نجوى التي تبحث عن معلمتها المتغيبة لسبب مجهول، ورغم أن العثور عليها يبدو شبه مستحيل، إلا أن القدر يتدخل باستمرار لمنع نجوى من التوقف عن البحث، ما يجعل علاقتها تتطور بيحيى، الذي سكن مكان معلمتها في شقة مصر الجديدة، ويحاول مساعدتها في العثور عليها.

في شقة مصر الجديدة


سر من الماضي في شقة مصر الجديدة

يفتتح في شقة مصر الجديدة بحديث أبلة تهاني عن الحب، وكيف أن ليلى مراد كانت تعرف حبيبها قبل أن تراه، ومن ثم يحدث خلاف بينها وبين إدارة المدرسة، بسبب ما فعلت مع الطالبات، وبينما تنصرف جميع التلميذات عن متابعة المشهد، تبقى نجوى تنظر بتأسف، وفيما بعد سنكتشف أن ذلك بسبب اتصالها المباشر بما حدث لتهاني، وهذا ما يجعلها بطلةً للفيلم، فأهم ما يميز البطل هو الإقدام، وقد تلقت جميع الطالبات حديث تهاني عن الحب، ولكن نجوى هي الوحيدة التي أقدمت على فعل شيء، فأحبت زميل لها وأحضرته لغرفة الموسيقى لتعزف له ما حفظت من تهاني، وهي الوحيدة كذلك التي راسلت تهاني واستمرت علاقتها بها.


بطلة وخصم في شقة مصر الجديدة

وبينما نسمع نجوى تتساءل في خطاباتها عن الحب الذي يأتي كالقدر في حياة الإنسان، يحدث أن يسقط خاتم تهاني ويتحرك نحو يحيى، وكأنه يشير إلى أنه المختار، كما أن سيناريو في شقة مصر الجديدة كان يعرض مشهداً للبطلة نجوى ثم يليه مباشرة مشهدٌ للخصم يحيى. ونشير هنا إلى أن الخصم في الأفلام الرومانسية يكون المحبوب، والخصم هو الشخص الذي يدخل البطل في صراع معه، فلا يقتضي أن يريد الخصم إيذاء البطل، وهنا كانت نجوى في صراع للعثور على تهاني، وكان يحيى هو الذي تحاول العثور عليها من خلاله.

(اقرأ أيضاً: البطل والخصم.. شرح العلاقة بينهما في الدراما)


أوديب وإلكترا في سيناريو في شقة مصر الجديدة

نرى نجوى مع صديقاتها تتحدث عن الحب والعريس المتقدم للزواج منها، وكيف أنه مثالي في نظر الأهل والأصدقاء، وليس كذلك في نظر نجوى والمشاهد، ونرى على التوازي يحيى وعلاقته بزميلة له، تعمد الفيلم إظهارها بصورة لزجة منفرة. وهذا أحد أوجه ذكاء الكاتبة وسام سليمان، فقد استخدمت ما يسمى في علم النفس بعقدة أوديب وعقدة إلكترا، حيث إن الإنسان في مطلع حياته يميل إلى أحد الأبوين، الذكر يميل للأم والأنثى تميل للأب، ويشعر الطفل بالغيرة من وجود الأب/الأم في حياة من يميل إليه، ولذلك تتعمد الأفلام الرومانسية دوماً أن تضع في طريق البطل منافس يبدو ظاهرياً أقوى منه، حتى يتعاطف المشاهد مع البطل، ويشعر بتلك اللذة الأوديبية عندما يقوم البطل/البطلة بانتزاع المحبوبة/المحبوب من هذا المنافس السمج. ولا ننسى المشهد الشهير في فيلم تيتانيك حين رفضت روز أن تستقل القارب، وعادت لجاك، وأخذا في تبادل العناق والقبل، على مرأى من خطيبها كال، الذي كاد يختنق من الغيظ. وفي فيلم في شقة مصر الجديدة خلقت الكاتبة وسام سليمان هذا المنافس في حياة الشخصيتين، نجوى ويحيى، ومن تماسك السيناريو أن جعل من وجود العريس هو الدافع الأول لضرورة عودة نجوى لبلدها، حيث كانت تلح عليها الأم باستمرار، وتوبخها بسبب ذلك. وعلى الناحية الأخرى اصطدمت نجوى بوجود داليا في حياة يحيى، واعتقدت أول الأمر أنها زوجته، خاصة لما وجدته يرتدي خاتم زواج، وكان ذلك خاتم تهاني، الذي أشرنا إلى الرمزية وراءه سلفاً.


ماضي وتطور شخصيتي في شقة مصر الجديدة

بملابسها الملائكية تقتحم نجوى حياة يحيى، وبيته، وتقلب في أغراض شقته دون استئذان، سلوكيات رغم كونها مزعجة، إلا أنها كانت السبب الرئيسي في تعلق المشاهد بنجوى، وإعجابه بها، وهذا يرجع إلى الدقة والإحساس العالي في رسم الشخصية من قبل الكاتبة، وتجسديها من قبل المخرج محمد خان والممثلة غادة عادل. هذا الخيط الرفيع الذي يفصل بين التنفير وإثارة الإعجاب، الذي تتمكن منه نجوى، فنشعر بصدق ما تسعى إليه، وما يدفعها إلى هذا الاقتحام، يشبه الخيط الرفيع الذي يربط بينها وبين ويحيى، رغم اختلافهما الشديد، فهو لبق وحاد لدرجة ما، وهي تعطي للأمور عاطفية الكثير من الأهمية.

ويستمر تورط نجوى في البقاء كلما حاولت السفر، وعلى التوازي يكتشف يحيى أن داليا قادرة على الإنجاب، وقد شاء القدر بطريقة ما ألا تنجب من زوجها الأول، كما شاء القدر أن تظل نجوى في القاهرة، وأن تأتي لبيت يحيى في نفس لحظة خروج داليا وتصطدم بها. وبعدها تحدث معها يحيى بأريحية أكثر من ذي قبل، عنها وعن تهاني، قبل أن تكسَّر هاتفه، ما يستوجب عودتها لمقابلته ثانية، ولكن بفستان أحمر! كان تغيير لون الفستان في منتصف الفيلم إشارة إلى وقوعها في الحب، وحين أعادت له الهاتف هذه المرة، جرى ورائها ليعيد لها هاتفها الذي نسيته، قبل أن يراقبها في مسيرها ويتشاجر مع متحرش حاول مضايقتها، ثم يعرض عليها أن يساعدها للعثور على تهاني من خلال برنامج (ما يطلبه المستمعون). وهذا تطور آخر في تعامل يحيى عن ذي قبل، الاهتمام بالأمور العاطفية الذي كان يقلل من شأنه، ها هو يخوض فيه ويساعدها في الوصول لشيء من خلاله.

وقد كان ذلك محور الحوار بينهما في المشهد التالي، حيث سألها عن السبب الحقيقي وراء إصرارها على العثور على تهاني، فنكتشف هنا اتصالها المباشر بأزمة تهاني، حيث أحبت زميل لها وعزفت له على البيانو في المدرسة، ما دفع الإدارة لطرد تهاني من المدرسة والمحافظة كلها. وما يجعل من دخول نجوى في رحلة الفيلم حتمياً، وتلك تقنية يستخدمها الكُتَّاب ليبين للمشاهد لماذا هذا الشخص هو البطل دون سواه؟ حتى وإن لم يلاحظ المشاهد العادي، فإن مثل هذه الأمور تؤثر في وجدانه دون أن يدركها. ويكون ذلك ما يسمى بجرح الماضي أو القصة من الماضي، والتي تدفع البطل للتصرف بطريقة معينة خلال الأحداث في الحاضر، وذلك قبل أن نعرف قصة يحيى من الماضي، حيث أحب زميلة له، وقد تركته لأنه لم يدخل كلية الهندسة، وذلك ما دفعه للدخول في علاقات مشابهة لعلاقته بداليا. 

وعقب معرفة ماضي كل منهما يتحتم عليهما التخطي، من أجل التغير للأفضل، وهنا يجلسان ليتناولا الطعام في أحد المطاعم، ولأول مرة يعترف يحيى بإعجابه بنجوى بطريقة مباشرة، ويخلع الدبلة ويعطيها إليها، ولكنها لا ترتديها، بل تعيدها إليه ثانية، وكأن الدبلة هي المشاعر التي أعطاها لها، فأعادتها إليه بمعنى أنها تبادله نفس الإعجاب.


القدر في شقة مصر الجديدة

لقد اختار القدر يحيى ليكون حب نجوى، فتدحرجت الدبلة نحوه مبشرةً بقدومها، وشاء القدر ألا تنجب داليا من زواجها الأول، وتكتشف في هذه الأيام أنها قادرة على الإنجاب، فتضطرب علاقتها مع يحيى، وشاء القدر كذلك أن يخرج يحيى من أزمة عمله ببساطة، وقد كان عمله من الأساس يعتمد على القدر؛ في لحظة ترتفع أسهم وفي أخرى تهبط. كما شاء القدر أن تعجب يمنى صديقة نجوى بالعريس المتقدم، وشاء أن تتزوج رضوى من محبوبها آخر الأمر، رغم أنها حاولت قتل نفسها ثلاث مرات بسببه، وشاء القدر أن يذهب عم عيد ميلاد إلى مصر الجديدة ليقابل نجوى أول مرة، رغم أنه يعمل دائماً في وسط البلد، وشاء كذلك ألا توفق حياة القلوب في زيجتيها السابقتين، وأن تتوفى زوجة عيد ميلاد فيكون مناسباً لها، وقد أيدت نجوى في قرارها برفض العريس، قبل أن نرى نظرات نجوى لها بينما ترقص، وكأنها تتعلم منها كيف تحيا القلوب.

إن سيناريو في شقة مصر الجديدة يدور بشكل أساسي حول القدر كتيمة، حتى أن يحيى في المشهد الذي كان يلعب فيه بلياردو مع صديقه في بداية الفيلم، كان يتحدث عن البرنامج الإذاعي (همسات حائرة)، ويسخر من متصلة قالت إن الحب قدر وما إلى ذلك، وقد كان القدر ما دفعه ليكون هو المتصل بنفس البرنامج الإذاعي، ليحكي لنا عن تجربته مع الحب! 

(أقرأ: دم الغزال.. القهر كتيمة)


نهاية سيناريو في شقة مصر الجديدة

لسبب ما تقرر نجوى أن تتوقف بالتاكسي وتغير فستانها، فترتدي فستاناً لونه أبيض وبيج، ما يعطي إحساساً بالحرية التي ولدها الحب، وتستمر تهاني في الربط بينها وبين يحيى، فتحاول نجوى العثور عليه وهو من ناحية أخرى يبحث عنها، ويدعي كل منهما أنه أراد إخبار الآخر بأخبار تهاني الجديدة، وفي هذه المرة يوصلها يحيى بنفسه إلى محطة القطار، ويعطيها رقم هاتفه، وينتهي الفيلم بإهداء للفنانة ليلى مراد، صوت الحب لكل الأجيال.


تم.
أكتب لنا رأيك في التعليقات، وشارك المقال ليصل للمزيد من الأشخاص.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال